التخيير الناشئ عن ملاك واحد مردد بين الملاكين ، فعند عدم كل منهما لا يكون في البين إلاّ ملاك واحد وتكليف واحد مردد بين التكليفين ، فهو على تقدير كون التخيير فيه شرعيا يكون قسما ثالثا.
لكن هذا إنما يتم لو كان أصل تأسيس الحكم منظورا به ذلك المورد الخاص الذي هو مورد المزاحمة ، وحينئذ يكون الحكم الشرعي تخييريا ونتيجته وجوب أحدهما على البدل كما لو كان التزاحم دائميا ، ولازم ذلك انحصار هذا الحكم الشرعي بمورد التساوي ملاكا ، أما لو كان أحدهما أهم ملاكا في نظر الشارع فهو لا يجعل الحكم إلاّ على طبقه ويسقط الملاك الآخر.
إلاّ أن كلامنا لمّا كان في القضايا الحقيقية ولم يكن التزاحم دائميا كان اللازم علينا سلوك طريقة اخرى ، وهي تتضح مما تقدم (١) في تقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية لكونه رافعا لموضوعه ، فيكون هذا التقديم من باب الحكومة أو الورود. ولا ريب أن المحكوم يسقط بقول مطلق ، ولا ينفعه كون ملاكه أهم لأن التقديم بالأهمية فرع تحقق الملاك ، والمفروض أنه منتف ومرتفع بالحكومة المذكورة.
وحينئذ نقول : إذا كان كل منهما مشروطا بالقدرة الشرعية كان كل منهما حاكما على الآخر ورافعا لموضوعه ، فهما متحاكمان مترافعان ، ونظرا إلى أن كلا منهما محكوم لا يجديه في تخلصه من هذه الحكومة كون ملاكه أهم كما عرفت ، فالترجيح بالأهمية حينئذ لا وجه له.
أما دعوى تعين الأهم للحكومة فممنوعة للزوم الدور ، حيث إن كونه
__________________
(١) في صفحة : ٢٠٧ وما بعدها.