بأحد الأولين أعني الداعي والاعتقاد المقارن. أما الأحكام وما هو من سنخها من الانشائيات فالأمر فيها بالعكس ، فان الحكم كالوجوب أو الملكية لا يدخله الداعي ولا الاعتقاد المقارن وإنما يدخله التقييد والتعليق. نعم إن إنشاء الحكم وجعله في عالم الاعتبار لمّا كان من الأفعال الاختيارية للحاكم كان موردا للدواعي ولما يكون من قبيل الاعتقاد المقارن ، ولا يدخله التقييد والتعليق. ولذلك تراهم يستدلون على بطلان التعليق في العقود بالاجماع ، فلا يصح البيع في قولك بعتك هذا إذا طلعت الشمس أو إذا جاء زيد ، لأجل محض الإجماع ، لا لأجل أن الانشاء غير قابل للتعليق كما ربما صدر عن بعضهم فأوردوا عليه بأن هذا القيد ليس قيدا للانشاء لأن الانشاء فعل خارجي لا يعقل التعليق فيه ، وإنما القيد قيد للمنشإ الذي هو نفس البيع فلا مانع منه عقلا ، ولكن العمدة في منعه هو الاجماع على البطلان واعتبار التنجز في العقود ، فراجع (١).
وهذه الجهة أعني عدم دخول الداعي والاعتقاد المقارن في الحكم لا يفرق فيه بين كون القضية حقيقية وكونها خارجية ، حتى في مثل قولك لمن تعلم أنه مستطيع : حج أيّها الانسان ، فإن هذا الاعتقاد ـ أعني اعتقادك باستطاعته ـ له الدخل في إنشائك وجوب الحج عليه من دون أن تقيده بالاستطاعة ، فلاحظ وتأمل.
نعم ، إن نفس الحكم في القضية الخارجية كما لا يدخله الداعي والاعتقاد فكذلك لا يدخله التقييد ، وإلاّ خرجت القضية عن كونها خارجية وعادت قضية حقيقية تتضمن الملازمة بين الاستطاعة ووجوب الحج ، وإن
__________________
(١) المكاسب ٣ : ١٧٠.