عدم الأول علّة في وجود الثاني. وما نحن فيه من قبيل الأول إن لم يكن في البين أهمية لأحدهما ، ومن قبيل الثاني إن كانت في البين أهمية لأحدهما كما في مثال الأهم والمهم.
وعلى أي حال فلا يعقل أن يكون ذلك منتهيا إلى طلب الجمع ، لما عرفت من أنّ لازم القضية المانعة الجمع هو كون كل واحد من طرفيها ملازما لعدم الآخر ، ويستحيل أن يكون كل منهما مجتمعا مع الآخر ، وإلاّ لم تكن القضية مانعة الجمع ( حقيقية ) بل كانت مانعة الخلو.
قوله : هذا مضافا إلى أنّه لا يلزم في تصوير تعدد العقاب أن يكون الجمع بين العصيانين مقدورا للمكلف ، بل يكفي فيه كون كل من العصيانين في حدّ نفسه ومع قطع النظر عن عصيان الخطاب الآخر مقدورا للمكلّف ... الخ (١).
لا يخفى أنّه ليس العصيان إلاّ ترك المأمور به ، ومن الواضح أنّ الجمع بين التركين مقدور للمكلّف ، فلا حاجة إلى هذا التجشّم لإثبات كون الجمع بين العصيانين مقدورا. نعم إنّ كون ترك الفعلين مقدورا للمكلّف يتوقّف على قدرته على فعلهما ، وإلاّ لكان تركهما لازما له. لكن هذا ـ أعني توقف كون تركهما مقدورا على قدرته على فعلهما ـ لا دخل له بما نحن بصدده من دعوى كون الجمع بين التركين مقدورا ، إذ يكفي فيه القدرة على أحد الفعلين وإن لم يكن كل منهما مقدورا له.
والذي حررته عنه قدسسره في هذا المقام هذا لفظه وهو : أنّه إن كان المراد بأنّ هذا العقاب عقاب على غير مقدور ، لأنّه عقاب على عصيان الأمر
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٨٩ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة المحشاة ].