التساقط لو لم يكن دليل من الخارج ، لأن المناط القطعي بل الظني فيها غير متضح ، إذ الاصول والأمارات شرعت لمصالح عرضية خارجية بناء على عدم التصويب ، واحتمال اختصاص المصلحة الشرعية بالصورة السليمة عن المعارض قائم ، ولا سبيل إلى القطع أو الظن بوجودها عند التعارض ، بخلاف الأحكام الواقعية مثل وجوب إنقاذ الغريق ووجوب أداء الدين وأمثالهما ، فان المصلحة الباعثة على التشريع بعينها موجودة في صورة المزاحمة أيضا ، فمقتضى الوجوب في كل منهما موجود ، وإنما لم يترتب عليه المقتضى وهو وجوب الامتثال عينا لوجود العجز ، وبعد ملاحظة المقدمتين ـ أي وجود المقتضي وعدم القدرة على امتثالهما معا ـ يحكم العقل بالتخيير (١) ، انتهى كلامه رفع مقامه.
وأنت بعد تأملك فيه تجده صريحا في أن التخيير عقلي لا شرعي ، وأنه ليس مبنيا على التساقط ، نعم ظاهر قوله : وثالثها وهو المختار الالتزام بالخروج اللفظي عن عموم الدليل مع ثبوت الحكم بالمناط القطعي ، فان لازم ذلك هو التخيير العقلي إلخ ، ظاهر في أن الحكم بالتخيير العقلي بعد رفع اليد عن كل من الدليلين والحكم بسقوطهما في مقام المزاحمة ، وحينئذ فالمتعين هو ما ذكرناه من كون الساقط هو أحدهما لا بعينه.
أما ما أفاده شيخنا قدسسره (٢) من أن المتعين هو تقييد كل منهما بعدم متعلق الآخر ، فالذي يمكن أن يتحصل في وجهه مما حررته عنه قدسسره هو أمران :
__________________
(١) بدائع الأفكار : ٣٦٥ ـ ٣٦٧.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٥ ـ ٤٦.