وهذه الجهات الأربع من الفرق بينهما كلها إنما تكون باعتبار المورد ، وهو المقام الأوّل الذي أشار إليه بقوله : أما الأوّل فتوضيحه أنه ... الخ (١).
قوله : وأما الثاني فلأن الحاكم بالترجيح والأخذ بذي المزية أو التخيير عند عدمها هو العقل في باب التزاحم والشرع في باب التعارض ، بناء على المختار من حجية الأمارات من باب الطريقية ، إذ مقتضى القاعدة حينئذ هو التساقط وعدم الاعتبار بمزية أحد الدليلين فيكون الحكم بالترجيح أو التخيير من باب التعبد الشرعي ... إلخ (٢).
إن ما أفيد في هذا المقام الثاني لا يخلو من الاجمال ، لما عرفت (٣) من أن تزاحم الملاكات في مقام التشريع الذي عبّرنا عنه بالتزاحم الآمري وإن كان الحاكم فيه هو الشارع ، ولا مجال للحكم العقلي فيه ، إلاّ أنه خارج عما نحن فيه من التدافع التعارضي والتدافع التزاحمي المعبّر عنه بالتزاحم المأموري.
ثم إن الشارع بعد الفراغ عن جعله الحكم الواقعي ووصوله إلى درجة الاثبات والحكاية يقع التدافع التعارضي ، وفي هذه المرحلة ـ أعني مرحلة الاثبات والحكاية عن الحكم الواقعي ـ لو وقع التعارض بأن كانت رواية معتبرة في حد نفسها تدل على أن الحكم الواقعي للفعل الفلاني هو التحريم ، وكانت رواية اخرى تدل على أن حكمه هو الايجاب ، فهذا هو باب التعارض ، فان قلنا بالسببية رجع إلى باب التزاحم ، وإن قلنا بالطريقية فان حكم فيه الشارع بحكم من ترجيح إحدى الروايتين على الاخرى أو
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٣ [ الموجود في النسخة المحشاة مغاير لفظا للنسخة القديمة ].
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٤ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].
(٣) في صفحة : ١٦٤.