لكن لا يخفى أنه لو كان التخيير شرعيا ولو باستكشاف حكم العقل كان ينبغي انحصاره بما إذا تساويا ملاكا ، أما لو كان أحدهما أهم فالذي ينبغي أن يقال إن الشارع يقدّم ذا الملاك الأهم كما هو الشأن في التزاحم الآمري ، ولو لم يكن في البين استكشاف التخيير الشرعي وكان الحاكم هو العقل ، فالعقل لا ينبغي له أن يحكم بالتساوي بينهما بعد اطلاعه على أن أحدهما أهم ملاكا من الآخر.
ولكن لا يخفى أن إرجاع ذلك إلى الحكومة الشرعية لا يمكن الالتزام به فيما نحن فيه ، لأنّ ذلك إنما هو في التزاحم الآمري الراجع إلى باب التعارض ، دون ما نحن فيه من التزاحم المأموري الذي هو راجع إلى باب التزاحم ، ومن هذه الجهة قد نقول إن التخيير عند التساوي عقلي لا شرعي.
ومن ذلك يظهر التأمل فيما علّقه المحرر في الحاشية (١) على التخيير الشرعي ، فانه جعل التخيير العقلي ناشئا عن أن الشارع لم يلزمه بأحدهما المعيّن. ولا يخفى أن محصل أن الشارع لم يلزمه بأحدهما المعيّن هو التخيير الشرعي. ثم لا يخفى أن لازم تعلق الأمر بكل منهما مشروطا بعدم الآخر الذي جعله عين التخيير العقلي ، هو أنه قبل الشروع في كل منهما يتحقق كلا الملاكين ، فتأمل.
وبالجملة : أنا لو سلّمنا أن هذا التخيير راجع إلى الشارع فليس هو من باب التخيير الناشئ عن ملاكين يكون كل منهما موجبا لسقوط الآخر فان مقتضى ذلك هو أنه عند عدم كل منهما يكون مكلّفا بكل منهما لتحقق ملاك كل منهما حينئذ ، نعم بفعل أحدهما يسقط الآخر ، بل هو من باب
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٤٢.