والملك الموكّل بالبيت. وملك الشمس. وملك القمر. وملك آخر. فلمّا فرغا من بناء البيت قالا : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) يعني بناء هذا البيت الحرام (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) لدعائهما ربّنا تقبّل منّا (١).
[٢ / ٣٣٦٠] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ) قال : فانطلق إبراهيم حتّى أتى مكّة ، فقام هو وإسماعيل وأخذا المعاول لا يدريان أين البيت ، فبعث الله ريحا يقال لها ريح الخجوج (٢) ، لها جناحان ورأس في صورة حيّة. فكنست لهما ما حول الكعبة ، وعن أساس البيت الأوّل ، واتّبعاها بالمعاول يحفران حتّى وضعا الأساس ؛ فذلك حين يقول : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(٣) فلمّا بنيا القواعد فبلغا مكان الركن قال إبراهيم لإسماعيل : يا بنيّ اطلب لي حجرا حسنا أضعه هاهنا! قال : يا أبت إنّي كسلان تعب! قال : عليّ بذلك! فانطلق فطلب له حجرا فجاءه بحجر ، فلم يرضه ، فقال : اثنتي بحجر أحسن من هذا! فانطلق يطلب له حجرا ؛ وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند ، وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثّغامة (٤) ، وكان آدم هبط به من الجنّة فاسودّ من خطايا الناس ، فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن ، فقال : يا أبت من جاء بهذا؟ فقال : من هو أنشط منك. فبنياه (٥).
[٢ / ٣٣٦١] وأخرج الثعلبي قال : سمعت أبا القاسم الحسن بن محمّد بن حبيب يقول : سمعت أبا بكر محمّد بن محمّد بن أحمد القطان البلخي وكان عالما بالقرآن يقول : كان إبراهيم يتكلّم بالسّريانيّة ، وإسماعيل يتكلّم بالعربيّة ، وكلّ واحد منهما يعرف ما يقول صاحبه ولا يمكنه التفوّه به ، فكان إبراهيم يقول لإسماعيل : هل لي كثيبا ـ يعني ناولني حجرا ـ ويقول له إسماعيل : هاك الحجر فخذه. قال : فبقي موضع حجر فذهب إسماعيل يبغيه ، فجاء جبريل بحجر من السماء ، فأتى إسماعيل وقد ركّب إبراهيم الحجر في موضعه فقال : يا أبت من أتاك بهذا في موضعه؟! قال : أتاني
__________________
(١) تفسير مقاتل ١ : ١٣٨.
(٢) الريح الخجوج : الشديدة المرّ الّتي تلتوي في هبوبها وتشقّ شقّا بشدّة عصفها.
(٣) الحج ٢٢ : ٢٦.
(٤) الثغام : شجرة بيضاء الثمر والزهر تنبت في قنّة الجبل ، وإذا يبست اشتدّ بياضها. واحدتها ثغامة.
(٥) الطبري ١ : ٧٦٤ / ١٦٩٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ / ١٢٣٧ ، وزاد : «وهما يدعوان الكلمات الّتي ابتلى إبراهيم ربّه فقال : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا ...).» : ابن كثير ١ : ١٨٤.