فيه ماء! فأرسلوا جريّا أو جريّين (١) فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا. قال : وأمّ إسماعيل عند الماء! فقالوا : أتاذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت : نعم ، ولكن لا حقّ لكم في الماء ، قالوا : نعم. قال ابن عبّاس قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحبّ الأنس» (٢).
فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتّى إذا كان بها أهل أبيات منهم ، وشبّ الغلام وتعلّم العربيّة منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأة منهم وماتت أمّ إسماعيل ، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل ، فسأل زوجته عنه! فقالت : خرج يبتغي لنا. ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت : نحن بشرّ نحن في ضيق وشدّة وشكت إليه. قال : إذا جاء زوجك فاقرئي عليهالسلام وقولي له : يغيّر عتبة بابه!
فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا! فقال : هل جاءكم من أحد؟ قالت : نعم ، جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألني عنك فأخبرته ، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال : فهل أوصاك بشيء؟ قالت : نعم ، أمرني أن أقرأ عليك السّلام ، ويقول : غيّر عتبة بابك! قال : ذاك أبي وأمرني أن افارقك فالحقي بأهلك ، فطلّقها وتزوّج منهم اخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثمّ أتاهم بعد ذلك فلم يجده ، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت : خرج يبتغي لنا. قال : كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت : نحن بخير وسعة وأثنت على الله! فقال : ما طعامكم؟ قالت : اللحم. قال : فما شرابكم؟ قالت : الماء. قال : اللهمّ بارك لهم في اللحم والماء. قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ولم يكن لهم يومئذ حبّ ، ولو كان لهم حبّ لدعا لهم فيه». قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه (٣). قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليهالسلام ومريه يثبّت عتبة بابه!
فلمّا جاء إسماعيل قال : هل أتاكم من أحد؟ قالت : نعم ، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه ، فسألني عنك فأخبرته ، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير. قال : أما أوصاك بشيء؟ قالت : نعم ، هو يقرأ عليك السّلام ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك ، قال : ذاك أبي وأنت العتبة فأمرني أن أمسكك!
ثمّ لبث عنهم ما شاء الله ، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم ،
__________________
(١) الجريّ : الرسول ، المستخبر.
(٢) أي وجد هؤلاء أمّ إسماعيل. (فتح الباري ابن حجر ٦ : ٢٨٦).
(٣) أي لم يتذوّقهما بغير مكّة إلّا آذاه ولم يوافقاه. أي اشتكى بطنه. (الفتح ٦ : ٢٨٨).