قال : وبهذا البيان ظهر أنّ المراد بالظالمين [المحجوزين عن نيل الإمامة] مطلق من ارتكب ظلما ، شركا فما دونه من سائر المعاصي التي توجب فسقا وخروجا عن طاعة الله.
قال : وهذا لا يفترق بين أن يكون ظالما لنفسه في الحال أو في سالف عمره قضاه في الشرك والفساد. ذلك لأنّ فسقه وتمرّده العارم في الحال أو في سالف عمره ، يكشف عن وهن في سريرته ، يسترسل مع مبتذلات الحياة حيثما أخذت به الأهواء. وهذا الضعف النفسي المشهود منه ـ في أيّ وقت من الأوقات ـ هو الذي أسقطه عن درجة الاعتبار ، بحيث لا يمكن الاعتماد عليه في تنصيبه لمثل هذا المنصب الخطير ، ألا وهي قيادة الأمّة في مهامّ أمور تعود إلى شؤون حياتهم في المعاش والمعاد. (١)
قال : وقد سئل بعض أساتيدنا رحمهالله عن تقريب دلالة الآية على ضرورة عصمة الإمام أي العدالة الشاملة ، فأجاب : بحسب الفرض العقلي على أربعة أصناف : صنف يكون ظالما طول حياته. وصنف يكون عادلا طول بقائه. وصنف يظلم ثمّ يؤوب. والصنف الرابع هو الذي يعود ظالما بقيّة حياته حتّى الموت.
قال : وحاش إبراهيم أن يسأل ربّه الإمامة للصنف الأوّل والأخير .. فبقي القسمان الثاني والثالث. صنف أصحاب العدل الشامل. وصنف التائب بعد الذنب المستديم.
فإذ وقع السؤال لكلا الصنفين ، فالاستثناء في الجواب إذن أخرج الصنف الثالث ، ليبقى الصنف الثاني صاحب العدل الشامل (العصمة) هو الصالح لنيل هذا المقام. (٢)
* * *
وهكذا قال الإمام الرازي بدلالة الآية على عصمة إبراهيم الخليل عصمة شاملة ؛ قال : لأنّ الإمام هو الذي يؤتمّ به ويقتدى ، فلو صدرت منه معصية لجاز الاقتداء به فيها ـ لإطلاق النصّ وعمومه ـ فيلزم منه جواز المعصية ، وهو محال ، لأنّ كونها معصية عبارة عن كونها ممنوعة. وكونه جائزا عبارة عن كونه غير ممنوع .. والجمع بينهما مستحيل. (٣)
__________________
(١) قالوا : الإمامة رياسة عامّة في أمور الدين والدنيا. قاله القاضي عضد الدين اللإيجي. (شرح المواقف للسيد شريف الجرجاني ٨ : ٣٤٥ ؛ شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني ٥ : ٢٣٤).
(٢) الميزان ١ : ٢٧٥ ـ ٢٧٧.
(٣) التفسير الكبير ٤ : ٤٠. المسألة الرابعة.