قال ابن عاشور : وليس «شهد» بمعنى «رأى» ؛ لأنّه لا يقال : شهد وإنّما يقال : شاهد. ولا الشهر هنا بمعنى هلاله ، لأنّ الهلال لا يصحّ أن يتعدّى إليه فعل «شهد» بمعنى حضر!
قال : ومن يفهم الآية على ذلك فقد أخطأ خطأ بيّنا ، وهو يفضي إلى أنّ كلّ فرد من الأمّة معلّق وجوب صومه على مشاهدته هلال رمضان ، فمن لم ير الهلال لا يجب عليه الصوم ، وهذا باطل (١).
قلت : تعليق وجوب الصوم على الرؤية ، لا يعني الرؤية الشخصيّة ، وإنّما المراد حصول الرؤية وتحقّقها خارجا ، بمعنى ثبوتها واقعا (٢) ، فعندها يجب الصوم على العموم. وهكذا في كلّ حكم من الأحكام الشرعيّة حيث كان مورد ابتلاء العموم وكانت صبغته صبغة جماعيّة ، وإن كان التكليف المترتّب موجّها إلى آحاد الأفراد.
فهناك فرق بين حكم الشارع : إذا رأيتم القذر لطّخ ثوبكم فاغسلوه. أو حكمه : إذا رأيتم الفجر طالعا فصلّوا الغداة. فإنّ الأوّل يخصّ أولئك الّذين تلطّخ ثوبهم بالنجس ولا يتعدّاهم. أمّا الثاني فيعمّ الجميع ، سواء من رأى ومن لم ير ، ويكفي بلوغه الرؤية.
* * *
على أنّ هناك مسألة أصوليّة فيما إذا أخذ «العلم وقبيله» موضوعا أو شرطا لثبوت حكم شرعيّ ، فإنّ العلم حينذاك قد لحظ طريقا إلى ثبوت الموضوع وليس بنفسه موضوعا.
فقول الشارع : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) ، كان المناط : طلوع الفجر ذاته ، أمّا التبيّن فقد أخذ طريقا لإثباته ، ولا موضوعيّة له.
وهذا من إفادات سيّدنا الأستاذ الإمام الخوئي ـ طاب ثراه ـ وتفصيل الكلام موكول إلى مجاله في علم الأصول. وسنذكر كلامه بشأن مسألة الرؤية هنا.
* * *
[٢ / ٤٧٩٠] أخرج النسائي بالإسناد إلى عكرمة عن ابن عبّاس قال : «جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : إنّي أبصرت الهلال الليلة. قال : أتشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله؟ قال : نعم. قال : يا بلال أذّن في الناس فليصوموا غدا» (٣).
__________________
(١) التحرير والتنوير ٢ : ١٧٢.
(٢) وتكفي إقامة حجّة شرعيّة على ثبوتها من بيّنة أو شهرة قاطعة ، ونحو ذلك.
(٣) النسائي ٢ : ٦٨ ؛ سنن النسائي ٤ : ١٣٢ ، باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان.