على أن يقضي المريض حين يصحّ ، والمسافر حين يقيم. وهذا هو الأولى في فهم هذا النصّ القرآني المطلق ، والأقرب إلى المفهوم الإسلامي في رفع الحرج ومنع الضرر. فليست شدّة المرض ولا مشقّة السفر بالتي يتعلّق بها الحكم ، إنّما هي المرض والسفر إطلاقا ، لإرادة اليسر بالناس لا العسر.
قال سيّد قطب : ونحن لا ندري حكمة الله كلّها في تعليقه بمطلق المرض ومطلق السفر ، وقد تكون هناك اعتبارات أخرى يعلمها الله ويجهلها البشر في المرض والسفر ، وقد تكون مشقّات أخرى لا تظهر للحظتها ، أو لا تظهر للتقدير البشري .. وما دام الله لم يكشف عن علّة الحكم فنحن لا نتأوّلها ، ولكن نطيع النصوص ولو خفيت علينا حكمتها فوراءها قطعا حكمة ، وليس من الضروريّ أن نكون نحن ندركها (١).
ومن ثمّ فتقييد الرخصة في المرض بحالة الإضرار ، والسفر بالمشقّة ، تأويل للنصّ من غير مبرّر ، فإنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه (٢). وهذا مطلق في جميع الرخص والعزائم.
[٢ / ٤٥٧٨] قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام : «الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر في الحضر. ثمّ قال : إنّ رجلا أتى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله ، أصوم شهر رمضان في السفر؟ فقال : لا ، فقال : يا رسول الله ، إنّه عليّ يسير! فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله عزوجل تصدّق على مرضى أمّتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان ، أيعجب أحدكم لو تصدّق بصدقة أن تردّ عليه؟!» (٣)
[٢ / ٤٥٧٩] وروى الصدوق بالإسناد إلى الإمام جعفر بن محمّد عن أبيه عليهماالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أهدى إليّ وإلى أمّتي هديّة ، لم يهدها إلى أحد من الأمم ،
__________________
(١) في ظلال القرآن ١ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠.
(٢) كما في الحديث المأثور عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (البحار ٦٦ : ٣٦٠ و ٩٠ : ٢٩ ـ ٣٠) وراجع : الأوسط ٦ : ٢٣٦ ؛ وسيأتي نقل الحديث.
(٣) الكافي ٤ : ١٢٧ / ٣ ؛ الفقيه ٢ : ٩٠ / ٤٠٣ ؛ العلل : ٣٨٢ / ٣. فضائل الأشهر الثلاثة ، للصدوق : ٩٤ / ٧٧ ؛ التهذيب ٤ : ٢١٧ / ٦٣٠ ؛ الوسائل ١٠ : ١٧٥ / ٥.