من مالك بالمعروف (١).
[٢ / ٤٥٢٢] وأخرج ابن جرير عن مسروق : أنّه حضر رجلا فوصّى بأشياء لا تنبغي ، فقال له مسروق : إنّ الله قد قسم بينكم فأحسن القسم ، وإنّه من يرغب برأيه عن رأي الله يضلّه ، أوص لذي قرابتك ممّن لا يرثك ، ثمّ دع المال على ما قسمه الله عليه (٢).
* * *
قوله تعالى : (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) تأكيد لفرض الوصيّة بالمعروف ، إذ كانت عادة العرب في الجاهليّة ـ ولا تزال اليوم وكذا عند غيرهم من أهل الجفاء ـ أنّ الميّت إذا كان له ولد أو أولاد ذكور ، استأثروا بماله كلّه ، بما يوجب حرمان الإناث ، سواء الأولاد والأزواج ، وحتّى إذا لم يكن له ولد ذكر استأثر بماله أقرب الذكور له من أب أو عمّ أو ابن عمّ الأدنين فالأدنين ، وكان الميّت ربما أوصى ببعض ماله أو بجميعه لبعض أولاده أو قرابته أو أصدقائه ، ليحرم الباقين فضل ماله.
ولمّا استقرّ المسلمون بدار الهجرة واختصّوا بجماعتهم ، شرع الله لهم تشريك بعض القرابة في تركتهم ، ممّن كانوا يهملون توريثه أحيانا ، أو لا يرثون ، لأنّهم من الطبقات التالية (٣).
قد يقال : إنّ الآية بشأن فرض الوصيّة للوالدين والأقربين ، أصبحت منسوخة بآية المواريث. ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا وصيّة لوارث» (٤).
قال سيّد قطب : «أمّا الأقربون ـ ممّن لا يرثون ـ فقد بقي النصّ بالقياس إليهم على عمومه. فمن ورّثته آيات الميراث فلا وصيّة له ، ومن لم يرث بقي نصّ الوصيّة هنا يشمله. قال : هذا هو رأي بعض الصحابة والتابعين ، نأخذ به» (٥).
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : فأمّا من قال : إنّ الآية منسوخة بآية الميراث ، فقوله بعيد عن الصواب ، لأنّ الشيء إنّما ينسخ غيره إذا لم يمكن الجمع بينهما ، فأمّا إذا لم يكن بينهما تناف ولا تضادّ ، بل أمكن الجمع بينهما ، فلا يجب حمل الآية على النسخ. ولا تنافي بين ذكر ما فرض الله للوالدين وغيرهم من الميراث ، وبين الأمر بالوصيّة لهم على جهة الخصوص ، فلم يجب حمل الآية
__________________
(١) الدرّ ١ : ٤٢٣ ، (الدرّ ٢ : ١٦٣ ، ط : هجر) ؛ المصنّف لعبد الرزّاق / ١٦٣٦٨.
(٢) الطبري ٢ : ١٥٩.
(٣) راجع : التحرير والتنوير لابن عاشور ٢ : ١٤٥.
(٤) وسنتكلّم عن هذا الحديث.
(٥) في ظلال القرآن ٢ : ٢٣٧.