إخبار الله تعالى به : (أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ). لأنّ كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشري القاصر المحدود. ولكنّهم أحياء. أحياء ، ومن ثمّ لا يغسّلون كما يغسّل الموتى ، ويكفّنون في ثيابهم الّتي استشهدوا فيها. فالغسل تطهير للجسد الميّت وهم أطهار بما فيهم من حياة. وثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر ، لأنّهم بعد أحياء.
أحياء ، فلا يشقّ استشهادهم على الأهل والأحبّاء والأصدقاء. أحياء يشاركون في حياة الأهل والأحبّاء والأصدقاء. أحياء ، فلا يصعب فراقهم على القلوب الباقية خلفهم ، ولا يتعاظمها الأمر ، ولا يهولنّها عظم الفداء.
ثمّ هم بعد كونهم أحياء ، مكرمون عند الله ، مأجورون أكرم الأجر وأوفاه.
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ. الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)(١).
ولا أظنّ وصفا أفخم ممّا وصف الله تعالى لمواضع الشهداء ، بمثل ما جاءت به هذه الآيات من نعوت جميلة وحبوة من الله كريمة. فهم أحياء يتقلّبون في أحضان نعم الله الوافرة ، ذكرا في هذه الحياة ، وخلودا في نعيم الآخرة.
[٢ / ٣٩٧٤] روى الإمام جعفر بن محمّد الصادق عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «فوق كلّ ذي برّ برّ حتّى يقتل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ» (٢).
[٢ / ٣٩٧٥] ومن ثمّ ورد في الحديث : «إنّ أفضل الخلق بعد الرسل والأوصياء هم الشهداء». (٣)
__________________
(١) آل عمران ٣ : ١٦٩ ـ ١٧٥.
(٢) الوسائل ١٥ : ١٦ ـ ١٧ / ١٩٩٢١ / ٢١ ؛ التهذيب ٦ : ١٢٢ / ٢٠٩ ؛ الخصال : ٩ / ٣١ ؛ الكافي ٥ : ٥٣ / ٢.
(٣) عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام البحار ٢٢ : ٢٨٢ / ٤١ و ٣٢ : ٢٧٤ / ٢١٢ ؛ الكافي ١ : ٤٥٠ / ٣٤.