يعرفه الإنسان كالمرض النازل به مثلا ، ولكن لا قدرة له على دفعه! فافتقر إلى قدرة وقوّة يدفع بها في نحر الشهوات فيجاهدها بتلك القوّة حتّى يقطع عداوتها عن نفسه ، فوكّل الله تعالى به ملكا آخر يسدّده ويؤيّده ويقويه بجنود لم تروها ، وأمر هذا الجند بقتال جند الشهوة ، فتارة يضعف هذا الجند وتارة يقوى ذلك بحسب إمداد الله تعالى عبده بالتأييد ، كما أنّ نور الهداية أيضا يختلف في الخلق اختلافا لا ينحصر.
فلنسمّ هذه الصفة الّتي بها فارق الإنسان البهائم في قمع الشهوات وقهرها : باعثا دينيّا ، ولنسمّ مطالبة الشهوات بمقتضياتها : باعث الهوى. وليفهم أنّ القتال قائم بين باعث الدين وباعث الهوى ، والحرب بينهما سجال ، ومعركة هذا القتال قلب العبد. ومدد باعث الدين من الملائكة الناصرين لحزب الله ، ومدد باعث الشهوة من الشياطين الناصرين لأعداء الله. فالصبر عبارة عن ثبات الدين في مقابلة باعث الشهوة. فإن ثبت حتّى قهره واستمرّ على مخالفة الشهوة فقد نصر حزب الله والتحق بالصابرين ، وإن تخاذل وضعف حتّى غلبته الشهوة ولم يصبر في دفعها التحق بأتباع الشياطين.
فإنّ ترك الأفعال المشتهاة عمل يثمره حال يسمّى : الصبر ، وهو ثبات باعث الدين الّذي هو في مقابلة باعث الشهوة. وثبات باعث الدين حال تثمرها المعرفة بعداوة الشهوات ومضادّتها لأسباب السعادات في الدنيا والآخرة. فإذا قوي يقينه ـ أعني المعرفة الّتي تسمّى إيمانا وهو اليقين بكون الشهوة عدوّا قاطعا لطريق الله تعالى ـ قوي ثبات باعث الدين ، وإذا قوي ثباته تمّت الأفعال على خلاف ما تتقاضاه الشهوة ، فلا يتمّ ترك الشهوة إلّا بقوّة باعث الدين المضادّ لباعث الشهوة. وقوّة المعرفة والإيمان تقبح مغبّة الشهوات وسوء عاقبتها. وهذا الملكان هما المتكفّلان بهذين الجندين بإذن الله تعالى وتسخيره إيّاهما وهما من الكرام الكاتبين ، وهما الملكان الموكّلان بكلّ شخص من الآدميين. وإذا عرفت أنّ رتبة الملك الهادي أعلى من رتبة الملك المقوّي لم يخف عليك أنّ جانب اليمين هو أشرف الجانبين من جنبتي الدست ، الّذي ينبغي أن يكون مسلما له. فهو إذن صاحب اليمين والآخر صاحب الشمال.
وللعبد طوران في الغفلة والفكر وفي الاسترسال والمجاهدة. فهو بالغفلة معرض عن صاحب اليمين ومسيء إليه فيكتب إعراضه سيّئة ، وبالفكر مقبل عليه ليستفيد منه الهداية فهو به محسن