وذلك لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لو كان يعلم أنّ أبويه ماتا كافرين فلا يتردّد في كونهما من أصحاب الجحيم وإن كان علم إيمانهما ـ كما هو أصحّ القولين ـ فلا شكّ أنّهما من أصحاب النعيم فلا موضع للشكّ بعد اليقين.
قال : واستحالة الشكّ من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد معرفة حالة أبويه إن شركا أو إيمانا ، ما يدفع صحّة ما قاله محمّد بن كعب القرظي ـ إن كان الخبر عنه صحيحا ـ (١).
* * *
وهكذا ذكر جلال الدين السيوطي الخبرين وضعّفهما. قال ـ بعد أن ذكر خبر القرظي ـ : هذا مرسل ضعيف الإسناد. قال : والآخر ـ يعني به خبر داود بن أبي عاصم ـ معضل الإسناد ضعيف لا يقوم به ولا بالذي قبله حجّة.
وإليك الخبرين :
[٢ / ٣١٣٨] أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمّد بن كعب القرظي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ليت شعري ما فعل أبواي ، فنزل : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) فما ذكرهما حتّى توفّاه الله». قال السيوطي : هذا مرسل ضعيف الإسناد. (٢)
[٢ / ٣١٣٩] وأخرج ابن جرير عن داوود بن أبي عاصم ، أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ذات يوم : أين أبواي؟ فنزلت. قال السيوطي : والآخر معضل الإسناد ضعيف لا تقوم به ولا بالذي قبله حجّة. (٣)
قلت : ولقد أنصف كلّ من الطبري والسيوطي في رفض الخبرين وتفنيد قراءة نافع تفنيدا فنّيّا أوّلا لضعف الإسناد وإعضاله ، ثانيا لمخالفته للسياق ولدليل العقل الحاكم بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يتمنّى العلم بشيء كان يعلمه حقّا.
هذا مضافا لما ثبت من طهارة آباء النبيّ وطهارة أرحام الأمّهات .. حسبما ورد من روايات
__________________
(١) المصدر.
(٢) الدرّ ١ : ٢٧١ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٩١ ـ ٢٩٢ / ١٢٦ ؛ الطبري ١ / ٧٢٠ / ١٥٥٨ و ١٥٥٧. ابن أبي حاتم ١ : ٢١٧ / ١١٥١ ، بلفظ : كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يسأل عن أبيه فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ).
(٣) الدرّ ١ : ٢٧١ ؛ الطبري ١ : ٧١٩ ـ ٧٢٠ / ١٥٥٩ ؛ ابن كثير ١ : ١٦٨. وزاد : «وهذا مرسل كالذي قبله».