(قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) لا معدل عنه أبدا. (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) وهذا من باب «إيّاك أعني واسمعي يا جاره». فمن تابع سبيل الغيّ والضلال بعد وضوح الهدى والصلاح ، فقد خرج عن ذمّة الله ، ودخل في ذمّة الشيطان .. فما له في مهاوي الضلال والدمار من وليّ يحنّ له ولا نصير يخرجه من الهلكة.
* * *
نعم ، الّذين يتجرّدون عن الهوى ويتراودون كتاب الله ليل نهار ، فهم على وشك من الاهتداء إلى سبيل الرشاد.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) فاحتضنوه عن جدّ وأخذوه بقوّة (يَتْلُونَهُ) يتراودونه (حَقَّ تِلاوَتِهِ) بجدّ وحزم (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالهدى الّذي أتاهم ، حيث كان منشودهم منذ عهد بعيد.
(وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) يكفر بالحقّ الّذي لمسه (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا أنفسهم وأضاعوها هباء ، حيث مصيرهم إلى الهلاك والدمار.
وبعد هذا التقرير الحاسم الجازم ينتقل السياق بالخطاب إلى بني إسرائيل ، كأنّما ليهتف بهم الهتاف الأخير ، بعد تلك المجابهة وذلك الجدل الطويل ، وبعد استعراض تاريخهم ـ المسجّل على صفحات سوداء ـ هنا يجيء الالتفات إليهم كأنّها الدعوة الأخيرة ، وهم على أبواب الإهمال والإغفال ، والتجريد النهائي من شرف الأمانة أمانة العقيدة .. التي نيطت بهم من قديم. وهنا يكرّر لهم الدعوة ذاتها التي وجّهها إليهم من بداية التجوال.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) طول حياتكم البذيئة (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) رغم توالي تمرّداتكم وإصراركم على العناد والفساد؟!
ولكن حيث لم تنغلق أبواب الرحمة ، وكانت الفرصة باقية ومتاحة على يد خاتم النبيّين ـ نبيّ الرحمة والفضيلة ـ وعليكم فاغتنمونها.
(وَاتَّقُوا يَوْماً) هو يوم الحسرة والندامة ، يوما (لا تَجْزِي) لا تغني (نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى). (١)
(وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ) فداء. والعدل : ما يعادل الشيء. كقوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً)(٢).
__________________
(١) فاطر ٣٥ : ١٨.
(٢) المائدة : ٥ : ٩٥.