يوجب كون ذلك الفعل المجرد عن ذي المقدمة غير واقع على صفة الوجوب.
بل يمكن أن يقال كما أفاده في الكفاية (١) : إن الداعي ليس إلاّ فتح باب التمكن من ذي المقدمة وهو لم يتخلف. نعم لو لم يكن في البين إلاّ أمر واحد تعلق بالعلة ومعلولها كان ذلك موجبا لكون ما وقع من أجزاء العلة مجردا عن الباقي غير متصف بالوجوب ، لكن ما نحن فيه لم يكن كذلك ، بل الأمر النفسي تعلق بذي المقدمة ، ولمّا كان فعله متوقفا على فعل المقدمة ترشح من الأمر به أمر غيري متعلق بتلك المقدمة ، وذلك لا يوجب انحصار ما تعلق به ذلك الأمر الثاني بما يكون الواجب واقعا عقيبه ، هذا.
مضافا إلى أن هذه الجهة ـ أعني كون المقدمة من أجزاء علة ذي المقدمة ـ لا تكون ملحوظة إلاّ على نحو الجهات التعليلية فلا تكون موجبة للانحصار.
نعم يمكن دعوى انحصار المقدمة الواجبة بما قصد به التوصل كما نقل عن الشيخ قدسسره (٢) وذلك بنحو ما حررناه في مبحث التعبدي (٣) من أن طبع الأمر يقتضي الاتيان بمتعلقه بداعيه ، بحيث يكون الباعث على الاتيان به هو ذلك الأمر على وجه يكون الاتيان به لا بذلك الداعي بل بداع آخر خارجا عن تحت ذلك الأمر ، فلا يكون مأمورا به وإن أجزأ عن المأمور به بدليل خاص ، لكنه يكون من قبيل الاكتفاء بغير المأمور به ، نظير الاكتفاء بفعل شخص آخر أو بفعل الريح والمطر مثلا.
وحينئذ نقول فيما نحن فيه : لا بد في وقوع المقدمة تحت الأمر
__________________
(١) كفاية الأصول : ١١٦ ـ ١١٩.
(٢) مطارح الأنظار ١ : ٣٥٣.
(٣) عند التعرض لكلام المحقّق الكلباسي قدسسره ، فراجع المجلّد الأول من هذا الكتاب ، الصفحة : ٤٦٦ وما بعدها. ولا يخفى أنّه قدسسره قد أبطل هذا القول فيما بعد. فراجع الصفحة : ٥٠٥ ـ ٥٠٦ من المجلّد الأول.