__________________
وذو المقدمة مقدمة للمقدمة ، وبقياس المساواة أن مقدمة مقدمة الشيء مقدمة لذلك الشيء ، فتكون المقدمة مقدمة لنفسها.
ولا يخفى أن محصل كونها مقدمة لذيها هو توقف وجوده الخارجي على ذاتها ، ومحصل كون ذيها مقدمة لها ليس هو كون ذيها مقدمة لذاتها ، بل هو كون ذيها مقدمة لما يتصف بالوجوب منها وهو المقدمة الموصلة ، فذاتها مقدمة لذاته وذاته مقدمة لاتصافها بصفة الوجوب لا لذاتها ، فكانت النتيجة أن ذاتها مقدمة لاتصافها بصفة الوجوب لا أن ذاتها مقدمة لذاتها. وهذا المقدار أعني كون ذاتها مقدمة لاتصافها بالوجوب لا ضير فيه ، بل هو جار في كل واجب مقيد بقيد.
نعم إن العمدة هو كذب القضية الثانية أعني قولنا كون ذيها مقدمة لما يتصف بالوجوب منها ، بمعنى أنّه يعتبر في المقدمة الواجبة الايصال ، لما حقق من أنه لا يعتبر في الواجب إلاّ ما له الدخل في وجوبه ، ومن الواضح أن الايصال لا دخل له في الجهة الموجبة لايجاب المقدمة وهي توقف الواجب النفسي عليها.
إلاّ أن يقال : إن الشارع لا غرض له في نفس السير إلى مسجد الكوفة ، ولو كان الأمر منّا لعرفنا أنّا لا حب لنا ولا عشق يتعلق بالسير ، وما هو إلاّ من جهة كونه موصلا إلى المحبوب بالذات الذي هو الكون في مسجد الكوفة ، فلو كان في البين وجوب للمقدمة فلا يكون مورده إلاّ المقدمة الموصلة ، أما السير الذي لا يوصل إلى الكون في مسجد الكوفة بمعنى أنه لا يتعقبه الكون في المسجد فليس هو بمراد لنا ولا بمحبوب. نعم يمكن القول بانكار الوجوب الشرعي للمقدمة كما مر وجهه فيما تقدم [ في الصفحة : ٨ ـ ٩ وكذا ٣٧ وما بعدها ]. وذلك كله لا يخلو عن تأمل ، لإمكان كون الغرض من إيجاب المقدمة هو مجرد فتح باب إمكان ذيها ، فلا يكون في البين ما يوجب تقيدها بالايصال ، فلاحظ وتأمّل.
وثالثا : لزوم التسلسل ، فان الواجب من المقدمة لو كان هو الذات المقيدة بالايصال كان الواجب مركبا ، وكانت ذات المقدمة مقدمة لذلك المركب ، وحينئذ لا بد من اعتبار الايصال فيها إلى ذلك المركب ، وهكذا إلى ما لا نهاية له.
ويمكن الجواب عنه : بأن قيد الايصال إنما يعتبر في المقدمة المباينة لذيها ، وكان وجود ذيها يتوقف على وجودها قبله ، دون ما يكون من قبيل الجزء في المركب من نفس الفعل وقيده الذي هو الايصال