الواضحات ، وما ذلك إلاّ عبارة عن كون ذلك الطلب واردا على نفس الطبيعة معرّاة من هذه الناحية عن كل من الاعتبارين ، أعني اعتبار وجودها أو اعتبار عدمها أو اعتبار إطلاقها.
وحاصل الفرق بين النحوين : أنّ الطبيعة في النحو الأوّل ـ وهو ما يكون من الانقسامات اللاحقة لها باعتبار تعلّق الحكم بها ـ قابلة في الواقع ولو في مقام الملاك للسعة والتضيق من تلك الناحية ، غايته أنّها في مقام جعل ذلك الحكم عليها لا يمكن لحاظها واسعة أو ضيّقة من تلك الناحية ، فلا بدّ للشارع من جعل الحكم على صرف الطبيعة ونفس ذاتها معرّاة عن لحاظ التوسعة والتضيق ، ثم بعد ذلك يجعل جعلا ثانيا يوجب توسعة ما قد جعل ذلك الحكم عليه أو تضييقه ، ويكون الجعلان منطبقين على ما هو واقع الملاك.
أمّا النحو الثاني فانّ الطبيعة في حد نفسها في مقام إيجادها أو في مقام الإخبار عن وجودها يستحيل فيها التوسعة والتضييق من ناحية ذلك القيد ، أعني به نفس وجودها أو عدمها ، وهكذا الحال في مقام طلب إيجادها. وبالجملة : أنّ الطلب كما أنّه في مقام إيجاده وجعله وإنشائه يستحيل أن يكون واسعا أو ضيّقا من حيث نفس وجوده أو عدمه ، فكذلك حال الطبيعة في مقام طلب إيجادها ، فإنّه يستحيل فيه أن يكون واسعا أو مضيقا من حيث نفس وجوده أو عدمه ، بحيث يكون نفس ذلك الشيء من حيث تعلق الطلب به مقيدا أو مطلقا من ناحية وجوده أو عدمه ، ليكون وجوبه مطلقا أو مشروطا بشيء من ذلك على ما حقّق في محلّه (١) من كون
__________________
(١) في المجلّد الثاني من هذا الكتاب : ١٢ وما بعدها.