حكم العقل بالمعذورية ، وذلك في صورة التساوي عند الاتيان بأحدهما وفي صورة الأهمية عند الاتيان بالأهم ، أما في صورة تركهما في الأوّل فلا يكون معذورا لا عن هذا ولا عن ذاك ، وكذلك في الثاني. نعم لو فعل المهم امتثله لكنه لا يكون معذورا في ترك الأهم ، وهذا هو محصل الترتب المعقول.
ثم إنه لو كان المنظور من كون امتثال الأهم سالبا للقدرة على المهم هو تمامية الامتثال ، كان الموجب لسلب القدرة هو انشغال الزمان بالأهم ، ولا فرق حينئذ بينه وبين الانشغال بالمباح أو مضي الزمان دون فعل من الأفعال. وفي الحقيقة لا يكون السالب للقدرة إلاّ الأمر بالأهم ، ولو لم يكن في البين أهم كان كل واحد منهما سالبا للقدرة عن الآخر ، فان كان في البين تقييد كان من هذه الناحية ، وعلى الأوّل أعني وجود الأهم بينهما يكون الأمر بالمهم مقيدا خطابا أو لا يكون مقيدا ، بل يكون ساقطا ، وكذلك الحال على الثاني من الطرفين.
وليس ذلك كله إلاّ عبائر اصطلاحية ، وإلاّ فليس في البين إلاّ حكم العقل بمعذرية المكلف في ترك أحدهما المعيّن أو غير المعيّن مع بقاء الأمر بحاله ملاكا وخطابا ، فلو فعل الأهم عذره العقل من ناحية المهم ، ولو ترك الأهم لم يعذره العقل من ناحية المهم كما لم يعذره من ناحية الأهم ، وحينئذ ففي هذا الحال أعني حال تركه الأهم لو فعل المهم كان قد فعله امتثالا لأمره ، لأن الأمر الشرعي كما عرفت لم ينخدش ملاكا وخطابا ، حيث إنه ليس في البين إلاّ مثل قوله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ )(١) وهذا
__________________
(١) البقرة ٢ : ٤٣.