امتثالهما معا وأنه لا بدّ من رفع اليد عن امتثال أحدهما.
المقدمة الثالثة : أن التدافع بين التكليفين تارة يكون لأجل عدم إمكان اجتماعهما وتنافيهما بحسب الذات ، كما في حرمة الفعل وإباحة نفس ذلك الفعل فانهما متنافيان ذاتا ، ولا ربط لهذا التنافي بقدرة المكلف ويلحق به ما انضم إلى هذا التنافي عدم قدرة المكلف على امتثالهما مثل وجوب الشيء وحرمته ، فان عدم قدرة المكلف في مثل ذلك لا أثر له في ذلك التنافي الذاتي بينهما ، إذ لو سوّغنا التكليف بغير المقدور لكان هذا التنافي موجودا بينهما لاستحالة اجتماعهما ، لكونه من قبيل اجتماع النقيضين ، ويكون حالهما من هذه الجهة حال اجتماع حرمة الشيء وإباحته ، ومن ذلك الوجوب المتعلق بالضدين ، فان الأمر بكل منهما محال مع قطع النظر عن قدرة المكلف وعدم قدرته ، وذلك لأن وجوب أحد الضدين مضاد لوجوب الضد الآخر ، فإذا دل دليل على وجوب أحد الضدين مثل بيّض هذا الجسم ، كان معارضا لما يدل على وجوب الضد الآخر مثل قوله : سوّد ذلك الجسم بعينه.
وتارة اخرى يكون التدافع بين التكليفين ناشئا عن مجرد عدم قدرة المكلف على امتثالهما ، مع فرض عدم التناقض والتضاد بين التكليفين ولا بين متعلقيهما ، وذلك كما في مثال أزل النجاسة وصلّ ، فان كل واحد من هذين الوجوبين في حد نفسه لا يدافع الوجوب الآخر ، كما أنه لا مضادة بين متعلقيهما ، وأقصى ما في البين هو الاطلاق المذكور في كل منهما ، أعني قوله أزل النجاسة سواء كانت الصلاة واجبة أو لم تكن وكذلك العكس ، ولا ريب أنه لا تدافع بينهما في صورة عدم وجوب الصلاة مثلا كما أنه لا تدافع بينهما في صورة وجوب الصلاة لو كان الجمع بينهما