بعبارة اخرى ، أو أن هذا القول الثاني صدر منه تأسيسا لحكم جديد وهو جعل الطلب وإيراده على ترك ترك القراءة ، وحينئذ يكون هذا الحكم غير الأول وليس هو عينه بل ولا ملازمه. نعم إن هذا الحكم يجتمع مع الحكم الأول في نفس القراءة فتكون واجبة باعتبار نفسها حيث إنها قد امر بها كما أنها واجبة باعتبار كونها مصداقا لترك تركها ، وهذا الوجه الثاني لقوله الثاني في غاية البعد ، فانه وإن كان الأصل يقتضي التأسيسية إلاّ أن التأسيس لا أثر له ، حيث إنه لا أثر حينئذ لقوله الثاني إلاّ الالزام بفعل القراءة ، وهو حاصل بقوله الأول أعني إيجاب القراءة.
لا يقال : إن قوله الثاني وهو قوله : يحرم عليك ترك القراءة ، لو حملناه على التأسيس لا يكون عبثا بلا فائدة ، لأنه إذا حرم ترك القراءة فقد حرم كل فعل مضاد للقراءة ، سواء كان ذلك الفعل بالنسبة إلى القراءة من الضدين اللذين لا ثالث لهما أو كان لهما ثالث ، وإنما يحرم ذلك الفعل لكونه مصداقا لترك القراءة المفروض حرمته ، فلو كان ذلك الفعل عبادة بأن ترك القراءة واشتغل بالصلاة كانت تلك الصلاة فاسدة.
لأنا نقول : إن حرمة ترك القراءة لا توجب حرمة الفعل الذي أوجده في حال ترك القراءة لعدم الاتحاد ، وإنما هو من مجرد المقارنة لو كان لهما ثالث أو الملازمة إن لم يكن لهما ثالث ، ولا تسري الحرمة إلى المقارن ولا إلى الملازم ، فان سريان الحكم إلى المقارن هو عين شبهة الكعبي (١) فلاحظ.
وحينئذ يكون المتعين في القول الثاني هو الوجه الأول أعني التأكيد لقوله الأوّل ، لكن هذا لا يوجب أن يكون لقوله الأول أعني قوله : تجب
__________________
(١) لمزيد الاطلاع عن هذه الشبهة راجع أجود التقريرات ٢ : ٢٠ ، والفصول الغروية : ٨٨ ، وهداية المسترشدين ٢ : ٢٣٣.