معرفة ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا ، وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.
يا هشام إنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهمالسلام وأمّا الباطنة فالعقول.
يا هشام إنّ العاقل الّذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره.
يا هشام من سلّط ثلاثا على ثلاث فكأنّما أعان على هدم عقله : من أظلم نور تفكّره بطول أمله ، ومحى طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ، فكأنّما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله ، أفسد عليه دينه ودنياه.
يا هشام كيف يزكو عند الله عملك ، وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربّك وأطعت هواك على غلبة عقلك.
يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل ، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ، ورغب فيما عند الله ، وكان الله أنسه في الوحشة ، وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ، ومعزّه من غير عشيرة.
يا هشام نصب الحقّ لطاعة الله ، ولا نجاة إلّا بالطاعة ، والطاعة بالعلم ، والعلم بالتعلّم ، والتعلّم بالعقل يعتقد (١) ، ولا علم إلّا من عالم ربّانيّ ، ومعرفة العلم بالعقل.
يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف ، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود.
يا هشام إنّ العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم.
يا هشام إنّ العقلاء تركوا فضول الدّنيا فكيف الذنوب ، وترك الدنيا من الفضل ، وترك الذنوب من الفرض.
يا هشام إنّ العاقل نظر إلى الدنيا وإلى أهلها فعلم أنّها لا تنال إلّا بالمشقّة ، ونظر إلى الآخرة فعلم أنّها لا تنال إلّا بالمشقّة ، فطلب بالمشقّة أبقاهما.
يا هشام إنّ العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ، لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة مطلوبة
__________________
(١) أي يشدّ ويستحكم وفي بعض النسخ «يعتقل».