وذكر محمّد بن إسحاق في كتاب السيرة أنّ إسافا ونائلة كانا بشرين فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس ، فلمّا طال عهدهما عبدا ، ثمّ حوّلا إلى الصفا والمروة فنصبا هنالك ، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما ، ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته المشهورة :
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم |
|
لمفضى السيول من أساف ونائل (١) |
[٢ / ٤١١٣] وقال الطبرسي رحمهالله : وفي هذه الآية دلالة على أنّ السعي بين الصفا والمروة عبادة ، ولا خلاف في ذلك ، وهو عندنا فرض واجب في الحجّ وفي العمرة ، وبه قال الحسن وعائشة ، وهو مذهب الشافعي وأصحابه (٢).
قال مالك : من نسي السعي بين الصفا والمروة ، في عمرة فلم يذكر حتّى يستبعد من مكّة أنّه يرجع فيسعى ، وإن كان قد أصاب النساء ، فليرجع فليسع بين الصفا والمروة حتّى يتمّ ما بقي عليه من تلك العمرة ، ثمّ عليه عمرة أخرى والهدي. وسئل مالك ، عن الرجل يلقاه الرجل بين الصفا والمروة ، فيقف معه يحدّثه؟ فقال : لا أحبّ له ذلك. قال مالك : ومن نسي من طوافه شيئا ، أو شكّ فيه ، فلم يذكر إلّا وهو يسعى بين الصفا والمروة (٣) فإنّه يقطع سعيه. ثمّ يتمّ طوافه بالبيت ، على ما يستيقن ، ويركع ركعتي الطواف ، ثمّ يبتدئ سعيه بين الصفا والمروة (٤).
[٢ / ٤١١٤] وأخرج مالك في الموطّأ وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن أبي داوود وابن الأنباري في المصاحف معا وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن عن عائشة ، أنّ عروة قال لها : أرأيت قول الله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فما أرى على أحد جناحا أن لا يطّوّف بهما؟ فقالت عائشة : بئسما قلت يا ابن أختي ، إنّها لو كانت على ما أوّلتها كانت فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما ، ولكنّها إنّما نزلت أنّ الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلّون لمناة الطاغية الّتي كانوا يعبدونها ، وكان من أهلّ
__________________
(١) ابن كثير ١ : ٢٠٥.
(٢) مجمع البيان ١ : ٤٤٦ ؛ التبيان ٢ : ٤٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٧ ، ما بمعناه عن الشافعي ومالك ؛ البغوي ١ : ١٩١.
(٣) أي تذكّر أنّه نقص من طوافه.
(٤) الموطّأ ١ : ٣٧٤ ، باب ٤٢.