النجاسة ، وإن عصيت فصلّ » لأنّ الأمر الثاني وإن تأخر رتبة عن الأول ، إلاّ أنّه واقع في رتبة حكم العقل بلزوم إطاعة ذلك الأمر أعني الأمر الأول فينبغي أن يكون ذلك محالا باطلا.
لأنّا نقول : إنّه وإن كان كذلك ، إلاّ أنّ ذلك الحكم العقلي لمّا كان كأصله الذي هو الحكم الشرعي هادما لموضوع الأمر الثاني ، وكان الأمر الثاني غير متعرض لوضع ذلك الموضوع ، لم يكن بينهما تدافع وتمانع.
ثم إنّ ممّا يشهد بأنّ هذه الحرمة الترتبية المترتبة على عصيان الأمر بذي المقدمة لا يكون الوجوب لذي المقدمة متوقفا على ارتفاعها ، هو أنّ نفس المقدمة لو كانت غير محرمة ذاتا ، بل كانت في حدّ ذاتها إحدى المباحات لكن الشارع أمر بذيها فوجبت غيريا ، ثم إنّه أعني الشارع يمكنه أن يجعل لها حرمة معلّقة ومشروطة بعصيان الأمر بذيها فيقول له « في صورة عدم إتيانك بذي المقدمة لا تفعل تلك المقدمة » فهذا ممّا لا ريب في إمكانه ، ولا أظن أنّ أحدا يتصدى لدعوى بطلانه واستحالته.
وسرّه أنّ الأمر النفسي المتعلق بذي المقدمة لا يكون متوقفا على رفع الحرمة الناشئة من عصيان ذلك الأمر بذي المقدمة ، غاية الأمر أنّ الفرق بين هذا المثال وبين ما نحن فيه أنّ الحرمة المعلّقة في هذا المثال على عصيان الأمر بذي المقدمة حرمة جديدة ، والحرمة المعلّقة عليه فيما نحن فيه هو نفس تلك الحرمة الذاتية ، وإنّما كان المعلّق على عصيان ذي المقدمة هو بقاءها وعدم ارتفاعها. والحاصل : أنّ أصل الوجوب النفسي إنّما يتوقف على ارتفاع أصل الحرمة الذاتية ، وهو غير متوقف على بقائها وعدم ارتفاعها الناشئ عن عصيان نفس ذلك الأمر.
وإن شئت فقل : إنّه يتوقف على ارتفاع الحرمة المطلقة الشاملة