بتحقّق العصيان ، كما لو كان أحد طرفي العلم الإجمالي ، فانّه لا يفقد إلاّ الجهة الأخيرة. أمّا الاولى وهي التنجز والفعلية واستحقاق العقاب فهي متحقّقة فيه ، وفي صورة الشبهة قبل الفحص ، وفي صورة الخطاب المهم القاضي بالاحتياط الشرعي. كما أنّ الجهة الثانية أعني العصيان متحققة في ذلك. نعم إنّ هذه الجهة غير محرزة كما أنّ العقاب غير محرز في ذلك ، وذلك إنّما يؤثر على الجهة الثالثة وهي إحراز العصيان عند الترك. وهذه الجهة هي التي تنتهي إلى إناطة الخطاب الترتبي بالجهل بالحكم الواقعي الأولي ، أعني الجهر مثلا في أخذ عصيانه عند الجهل به موضوعا لوجوب الإخفات ، الذي قلنا إنّ عصيانه عند ذلك عبارة عن عدم الإتيان بمتعلّقه مع فرض استحقاق العقاب على ذلك ، فلاحظ وتدبر.
قوله : الثالث : أنّ الخطاب الترتبي إنّما يكون فعليا عند تنجّز الخطاب المترتب عليه ... الخ (١).
لا يخفى أنّ الترتب وإن كان لا يتوقف على التقييد بعصيان الأهم ، بل إنّما هو كما عرفت فيما تقدم (٢) لا يوجب إلاّ تقييد الأمر بالمهم بعدم الإتيان بالأهم ، إلاّ أنّ الاحتياج إلى تقييد الأمر بالمهم بعدم الإتيان بالأهم إنّما هو فيما لو كان الأمر بالأهم منجزا ليكون مزاحما للأمر بالمهم ، ويكون التقييد المزبور علاجا لذلك التزاحم. أمّا إذا لم يكن الأمر بالأهم منجزا لكونه مجهولا مثلا ، فلا حاجة فيه إلى التقييد المزبور الذي هو حقيقة الترتب ، بل يكون إطلاق الخطاب بالمهم باقيا بحاله.
ولعلّ هذا هو مراد شيخنا قدسسره من هذا الإشكال الثالث. وحاصله أنّ
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٩٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].
(٢) في الصفحة : ٣٨٧ ـ ٣٨٨.