المكلف بهما معا دفعة واحدة لم يقع الثاني منهما على صفة الوجوب ، كما تقدم من مثال وجوب دخول المسجد بقول مطلق ووجوب القراءة مشروطا بعدم دخول المسجد.
وفيه : أنّ مجرد كون الأوّل هادما للثاني لا يخرج الأوّل عن كونه مقتضيا لوضع متعلّقه ، والثاني أيضا قاض بوضع متعلقه ، فيلزم طلب الاجتماع. والعمدة في الجواب : هو أنّ تقيد الثاني بعصيان الأوّل يخرجهما عن اقتضاء الجمع.
وقد يشكل بالنقض فيما لو قيّدنا الثاني باطاعة الأوّل ، فانّ الأوّل يكون موجبا لوضع موضوع الثاني ، والثاني إن لم يكن موجبا لحفظ موضوع نفسه فلا أقل من عدم كونه هادما لموضوع نفسه ، فينبغي أن يقال إنّه لا يحصل التدافع بينهما. ولا بدّ في الجواب من التقريب السابق (١) وهو أنّ الأمر الأوّل وإن لم يكن متحققا في مرتبة إطاعة نفسه ليكون هو السالب للقدرة على الثاني ، لكن امتثال الأوّل يكون سالبا للقدرة على الثاني ، فيمتنع الثاني عند إطاعة الأوّل لكونه غير مقدور حينئذ.
السابع : لا بدّ من التعرض للمقدمة الوجودية ، فانّ التكليف يقتضي وضعها مع أنّه مطلق من ناحيتها ، فكيف صحّ لكم القول في الأمر الثالث بأنّ ما يكون التكليف مطلقا بالقياس إليه يستحيل كون التكليف مقتضيا له.
وإجمال الجواب هو المنع من كون التكليف مطلقا بالقياس إلى ما يكون من المقدمات الوجودية واجبا ، غايته أنّ التكليف محفوظ مع كل من وجودها وعدمها على نحو انحفاظ العلّة مع معلولها ، والشاهد على ذلك
__________________
(١) المتقدم في صفحة : ٣٠٩.