إن التدافع بين الخطابين نفسهما ، غايته أنه يرتفع هذا التدافع بتقييد كل منهما ، ومن الواضح أن مقتضى القاعدة هو التساقط حينئذ ، ومجرد أنه يمكن الجمع بينهما بتقييد كل منهما أشبه شيء بالجمع التبرعي ، فتأمل وانتظر الكلام على المقدمة الاولى والخامسة من مقدمات الترتب (١) ، فانا قد تعرضنا هناك للفرق في هذه الجهة بين المشروطات بالقدرة الشرعية والمشروطات بالقدرة العقلية.
قوله : إذ الحكم في طرف محتمل الأهمية وكونه مبرئا للذمة معلوم ، بخلاف الطرف الآخر فان أصل الحكم فيه وكونه مبرئا للذمة مشكوك ... إلخ (٢).
العبارة لا تخلو عن مسامحة ، والمراد هو أن الحكم في ناحية محتمل الأهمية معلوم على كل من احتمال أهميته ومساواته للطرف الآخر ، والاقدام على فعل الطرف الآخر لم يحرز كونه مسوّغا ومسقطا لما هو محتمل الأهمية ، لأن ذلك متوقف على إحراز المساواة وهي غير محرزة ، فلا مسوّغ لرفع اليد عن محتمل الأهمية والاقدام على الطرف الآخر استنادا إلى احتمال مساواته له. وكيف كان فالظاهر أن هذا المعنى ـ وهو كون المرجع عند احتمال الأهمية هو أصالة الاشتغال ـ جار على مسلكهما أيضا ، لأن التخيير على مسلكهما لو سلّمناه لا يكون من ذي الملاك الواحد الذي قيل فيه بالبراءة عند احتمال التعيين ، بل هو من ذي الملاكين ، فيرجع الشك فيه إلى الشك في المسقط ، والمتعين في ذلك هو أصالة الاشتغال لا البراءة.
__________________
(١) تقدم المصدران في الصفحة : ٢٥٨.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٦ ـ ٤٧ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].