ومنه يظهر لك أنه لو قامت بيّنة على بقاء الوقت لم تكن نافعة ، لأن أقصى ما فيها هو أن قيام البينة يوجب زوال الشك والاحتمال تعبدا وأنها حجة في نفي لازم الشك تعبدا ، وأقصى ما فيها أن تكون قائمة على عدم الخوف ، فانها لا تنفع مع فرض وجود الخوف وجدانا ، إلاّ أن يكون مرجع ذلك إلى تنزيل هذا الخوف منزلة عدمه في عدم ترتب الأثر عليه. وهذا البحث جار في كل ما يكون من الأحكام الشرعية موضوعه الخوف ، مثل خوف الضرر ونحوه في حرمة السفر وفي وجوب الافطار.
أما استصحاب الضرر لو جرى فانه أيضا لا ينفع ، لأنه من قبيل الاحراز التعبدي لما هو محرز بالوجدان ، لأن حرمة الصيام حينئذ محققة وجدانا بواسطة الخوف ، فلا يكون إثباتها تعبدا باستصحاب الضرر إلاّ من قبيل الاثبات التعبدي لما هو محرز وجدانا ، فتأمل.
ثم إنه يمكن القول بسقوط استصحاب بقاء الوقت فيما تقدم في مسألة الوضوء حتى مع قطع النظر عن كون الموضوع هو الخوف ، بل كان الموضوع لسقوط الوضوء ووجوب التيمم هو ضيق الوقت واقعا ، وذلك بدعوى أن مفاد الصحيحة المشار إليها هو وجوب التيمم في مورد احتمال الضيق ، وهو غالبا مقرون باستصحاب بقاء الوقت ، فيكون ذلك دالاّ على عدم اعتناء الشارع بالاستصحاب المذكور ، ويكون ذلك مثل تقدم قاعدة الفراغ على الاستصحاب في موردها ، باعتبار كون موردها مقرونا غالبا باستصحاب عدم الاتيان بما شك من الأجزاء ، فلاحظ وتأمل ، وراجع العروة (١) وحواشيها في هذه المسألة أعني مسألة التيمم في مورد احتمال
__________________
(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ٢ : ١٨٤ / مسألة ٢٧.