عذب» فينصرف المعنى إلى المخصص وإلى المقيد ، فالبحر العذب أي النهر ، وهذا ما رأيناه في بعض التفاسير ، وبوسعنا الآن بعد هذه الإشارات أن نحلل الآيات القرآنية ، ثم نثبت الحقائق العلمية على ضوء ذلك.
تتحدّث الآية الأولى عن بحرين يلتقيان ويختلطان ، إلا أن هذا الاختلاط كان سلميا ، لا ظلم فيه ولا بغي ولا تعدّي على حقوق أحد ، فلم يبغ أحدهما على الآخر بوجود البرزخ ، الحاجز بينهما والمعنى نفسه تتحدث عنه الآية الثانية ، فهي تشير إلى وجود حاجز بين البحرين ، إن هذه الحقيقة العلمية اعتقد بها المسلمون قديما ، كما رأينا من عرض أقوال المفسرين لكنهم لم يروها في عالم الشهادة ، فاعتقادهم بها كان نابعا من يقينهم الجازم الذي لا يخامره أدنى ريب ، أن هذا الكلام هو كلام الخالق العظيم ، وبالتالي فحقائقه كلها صادقة وواقعة ، فالرجل كان ينظر في البحر ، أو يركبه فلا يرى حواجز ولا فواصل فيه ، إلى أن جاء العلم الحديث وكشف عن هذه الحقيقة الكونية والمعجزة القرآنية ، وأثبت أن هناك حواجز حقيقية بين البحار.
الحقائق العلمية :
(نشرت بعثة (السير جون أمري) مع بعثة الجامعة المصرية بخفر السواحل لدراسة أعماق البحر الأحمر والمحيط الهندي في جنوب عدن ، وبعض الملاحظات التي تسترعي النظر ومما جاء أن البعثة وجدت المياه في خليج العقبة تختلف في خواصها وتركيبها الطبيعية والكيميائية عن المياه في البحر الأحمر ، وحققت البعثة بواسطة قياس الأعماق ، وجود حاجز مغمور عند مجمع البحرين يبلغ ارتفاعه أكثر من ألف متر وتبعد قمته نحو ٣٠٠ متر عن سطح البحر.
وتماثل هذه النتيجة ما وصلت إليه السفينة (مباحث) في رحلتها الأولى في المحيط الهندي والبحر الأحمر ، إذ حققت وجود حاجز مغمور بين البحرين ، وأثبتت المشاهد بالتحليل الكيميائي ، أن مياه المحيط الهندي تختلف في خواصها الطبيعية و (الكيميائية) عن مياه البحر الأحمر ، ويعلل علماء البحار الاختلاف في خواص الماء في المحيط الهندي والبحر الأحمر ، وفي خواصه في خليج العقبة والبحر الأحمر بوجود الحاجز المغمور عند ملتقى كل بحرين) (١).
__________________
(١) لفتات علمية من القرآن ، يعقوب يوسف ، الرياض ، الدار السعودية للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية ، ١٩٩٧ ، ص : ٥٧.