بسم الله الرّحمن الرّحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واتبع هداهم إلى يوم الدين
وبعد :
لقد تبوّأ القرآن الكريم سدّة الصدارة في حياة المسلمين ، فتحلّق حوله المسلمون ينهلون من ينابيعه الصافية ويتزوّدون من معينه الذي لا ينضب ، فكان نورا لعقولهم ، ومرشدا في حياتهم ، وقبسا وضّاء لأرواحهم ونفوسهم ... والقرآن الكريم منذ نزل من السماء رسم معالم الطريق للبشرية ، وضبط سلوكهم بتشريعه وإرشاداته ، فكان المحور الذي تدور حوله أهداف المفكرين والعباقرة ، والدافع الحيّ لأساطين العلم والتأليف على الاستمرار والتواصل في مسيرة الاستنباط والكتابة والتعليم ...
وهو صمام الأمان من كل زلل ، والعصمة الواقية ، والحجة البالغة ، والنور الساطع ؛ (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (١).
ولقد قام جهابذة العلم قديما وحديثا بدراسة القرآن الكريم ، وتشرفوا بخدمته ، فبرع المفسرون لآيات الذكر الحكيم ، يعرضون أسباب النزول ويبينون الناسخ والمنسوخ ، ويوضحون المحكم منه والمتشابه ، فأثرت دراساتهم هذه المكتبة العربية ، بل وفاضت الكتب ، تأليفا وتصنيفا وتبويبا وتحقيقا ، حول القرآن وعلومه ...
ولقد فكرت مليا ، وأنا الضعيف القاصر في آيات كتاب الله ، فرأيت أن تكون خدمتي لكتاب الله في الوقوف عند الآيات الكونية فيه (٢) ، فهي جديرة بالبحث والتحليل والكشف عن بعض أسرارها ، فأسرار القرآن الكريم ذاخرة في كل آية من آياته ، وعطاء هذا الكتاب متجدّد على ممر الأحقاب وترادف الدهور ...
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ١٧٤.
(٢) تعني الآيات القرآنية التي تتحدّث عن المظاهر الكونية ، كالسماء والنجوم والأفلاك والأرض وغيرها.