تمهيد
القرآن الكريم كتاب هداية ونور ، أنزله الله سبحانه وتعالى ليخرج الناس من
الظلمات إلى النور ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن الفرقة والشقاق إلى الوحدة والإخاء ، قال تعالى : (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (١). وهذه الهداية القرآنية عامة وشاملة لكل مناحي الحياة والكون والإنسان ، ذلك أن الله أودع في القرآن من الركائز الإيمانية والثوابت اليقينية ما يحقق اتزان الإنسان ، واستقرار نفسيته وسعادتها وأودع فيه من الشرائع والتوجيهات ما يكفل صلاح المجتمع الإنساني وانضباطه ، وسريان أسباب المودة والرحمة فيه ، وأودع فيه من الأخلاقيات والآداب العامة ما يكفل استمرار الترابط البشري في أعلى أصعدة الإخاء والمحبة والوئام ، كما أنه أودع فيه من المعارف والحقائق الكونية العلمية التي أخذت شوطا كبيرا فيه ما يكفل خلق جوّ نزيه خلال سعي الإنسان لاكتشاف أسرار الكون والبحث عن غوامضه وخفاياه ، لتذليلها وتسخيرها له.
إذن ، هداية القرآن متعددة الأبعاد ، كثيرة الجوانب ، وما ينبغي أن تقصر على جانب دون آخر إلا أن الجانب الأخير الذي ذكر وهو الحقائق العلمية في القرآن ، كان ميدانا للأخذ والرد بين العلماء عبر مرور الأزمان وكرّ الأيام ، فقد طرح التساؤل التالي : هل النصوص القرآنية قد اشتملت على العلوم والمعارف كلها ، أي على علوم الطبيعة ، والفلك ، وعلم طبقات الأرض (الجيولوجيا) وعلوم الحياة (البيولوجيا) وعلم الطب والتشريح ، وعلم الوظائف (الفسيولوجيا) ، والرياضيات ... أم أن القرآن كتاب هداية ونور ، جاء ليعزز الإيمان في النفوس ، وليربط الخلق بالخالق وشرعه ، ولا علاقة له بهذه المعارف؟.
__________________
(١) سورة إبراهيم ، الآية : ١.