وقد ذهب إلى هذا القول النّظّام من المعتزلة ، ونسب إلى ابن المرتضى من الشيعة ، وابن سنان الخفاجي ، وابن حزم الظاهري الأندلسي ، وهؤلاء هم أبرز من قال بالصرفة ، وسوف نقتصر الحديث عليهم ، وعمّا قالوه في هذا المجال تباعا.
القائلون بالصرفة :
١ ـ النّظّام (١) :
وهو أول من جهر بالقول بالصرفة ، وهو من رءوس المعتزلة ، ولقد أشار الإمام أبو الحسن الأشعري إلى مقولة النظّام في الصرفة في كتابه «مقالات الإسلاميين» فقال : (وقال النظام : فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد ، لو لا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم) (٢).
ويحدثنا الإمام أبو منصور البغدادي في كتابه «الفرق بين الفرق» عن النظام ، وعن الظروف والعوامل التي كانت سببا في تكوين هذا الفكر لديه ، وعن طرف من معتقداته البالية ، وخاصة في الصرفة ، فيقول : (إنما كان ينظم الخرز في سوق البصرة ، ولأجل ذلك قيل له «النّظام» وكان في زمان شبابه قد عاشر قوما من الثنوية ، وقوما من السمنية القائلين بتكافؤ الأدلة ، وخالط بعد كبره قوما من ملحدة الفلاسفة ، ثم خالط هاشم بن الحكم الرافضي ، فأخذ عن هاشم وعن ملحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجزأ ثم بنى عليه قوله بالطفرة التي لم يسبق إليها وهم أحد قبله ، وأخذ من الثنوية قوله بأن فاعل العدل لا يقدر على فعل الجور والكذب ، وأخذ عن هاشم ابن الحكم أيضا قوله بأن الألوان والطعوم والروائح والأصوات أجسام ، وبنى على هذه البدعة قوله
__________________
(١) ت ٢٣١ ه ، إبراهيم بن سيار النظّام ، إليه تنسب فرقة النظامية ، الذين قالوا : إن الله لا يقدر أن يفعل بعباده في الدنيا ما لا صلاح لهم فيه ولا أن يزيد وينقص من عقاب وثواب ، وكونه مريدا لفعله خالقه ولفعل العبد كونه أمر به ، والإنسان هو الروح والبدن والأعراض والأجسام لا تبقى ، والجسم مؤلف من الأعراض ، والعلم والجهل المركب مثلان ، والإيمان والكفر كذلك ، وأن الله خلق الخلق دفعة والتقدم والتأخر في الكون والظهور ، ونظم القرآن ليس بمعجز ، والتواتر يحتمل الكذب ، والإجماع والقياس ليس بحجة وأوجبوا النص على الإمام ، وثبوته لعلي ، لكن كتمه عمر. انظر : لوامع الأنوار البهية ، للسفاريني ، ١ / ٧٨ ، بتصرف.
(٢) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ، أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ، صيدا ـ بيروت ، المكتبة العصرية ، تحقيق ، محي الدين عبد الحميد ، د. ت ، ١ / ٢٩٦.