٢ ـ أن القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد وليس بكتاب تفصيل لمسائل العلوم ونظرياته ودقائق الاكتشافات والمعارف ، ومن طلب ذلك من القرآن فقد أساء فهم طبيعة هذا القرآن ووظيفته.
٣ ـ أن التفسير العلمي مدعاة إلى الزلل لدى أكثر الذين خاضوا فيه من المعارضين ، لأن عملية التوفيق تفترض غالبا محاولة للجمع بين موقفين يتوهم أنهما متعاديان ولا عداء ، أو يظن أنهما متلاقيان ولا لقاء.
٤ ـ أن تناول القرآن بهذا المنهج يضطر المفسر إلى مجاوزة الحدود التي تحتملها ألفاظ النص القرآني لأنه يحس بالضرورة متابعة العلم في مجالاته المختلفة ، فيتعجّل تلمّس المطابقة بين القرآن والعلم تعجلا غير مشروع.
٥ ـ أن ما يكشف من علوم إنما هو نظريات وفروض قابلة دائما للتغير والتبديل والتعديل والنقض والإضافة ، بل قابلة لأن تنقلب رأسا على عقب ومن ثم فلا يصح أن تعلّق الحقائق القرآنية النهائية بمثل تلك النظريات حتى نقف محرجين عند ثبوت بطلان تلك النظرية) (١).
هذه هي أدلة المؤيّدين والمعارضين ، ومن خلال ما ثار بين الفريقين من مدّ وجزر ، وأخذ ورد ، ونفي وإثبات ، يتّضح لنا أن الجميع يريد أن يثبت أن القرآن الكريم هو كلام الله المنزّه عن النقص والتناقض ، وأنه منزل من عند الله سبحانه وتعالى ...
الترجيح :
بعد التأمل في وجهة نظر الفريقين والوقوف على ما أوجزنا من أدلتهم ، يمكن لنا أن نخلص إلى نتيجة فنقول : دراسة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لا تقتصر على الجانب البلاغي والبياني منه فهو تحدّى العرب إبان نزوله وهم أصحاب الفصاحة وفرسان البلاغة ، وطالبهم بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا وفشلوا ... والقرآن خاطب الإنسانية جمعاء لأنه منزّل عليها كلها على اختلاف الألسنة واللغات ، وأمرها بإعلان الدينونة والولاء له ، ولذلك كان لزاما أن نبرز جوانب الإعجاز في القرآن لكل البشر ، ونوضح لهم أسرار القرآن في الكون والحياة ، ولكي يتحقق ذلك فإننا نرى أن الله قد وضع في القرآن آيات علمية كونية يتضح الإعجاز فيها في كل عصر من العصور ...
__________________
(١) دراسات في علوم القرآن الكريم ، فهد الرومي ، ص : ٢٩٣.