فرجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو فزع فقال : يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف ، فقال حمزة بن عبد المطلب : فأذن له فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له ، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ائذن له» ، فأذن له الرجل ، ونهض إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى لقيه في الحجرة ، فأخذ حجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه به جبذة شديدة وقال : «ما جاء بك يا بن الخطاب؟ فو الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة» ، فقال عمر : يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله ، قال فكبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن عمر قد أسلم ، فتفرق أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكانهم ، وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة ، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وينتصفون بهما من عدوهم) (١).
ثانيا ـ الطفيل بن عمرو الدوسي :
وما حدث لعمر بن الخطاب حدث للطفيل بن عمرو الدوسي ، وشعره لا يخفى على العرب وقصائده التي كان يتجمهر الناس في المحافل العامة والأسواق لسماعها ليست بخافية ، ومع ذلك عند ما قرع القرآن مغاليق قلبه ، خفت شعره والتهبت مشاعره بالإيمان فكان في زمرة الموحدين ، وها هو ذا يحدثنا عن تأثير القرآن ووقعه في قلبه يوم سمعه غضا طريا نديا من النبي صلىاللهعليهوسلم.
(... أن الطفيل بن عمرو قال : كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي ، فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش فقالوا : إنك امرؤ شاعر سيد وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه ، فإنما حديثه كالسحر فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا ، فإنه فرق بين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وابنه ، فو الله ما زالوا يحدثوني شأنه وينهوني أن أسمع منه حتى قلت : والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني ، قال : فعمدت إلى أذني فحشوتها كرسفا ، ثم غدوت إلى المسجد فإذا برسول صلىاللهعليهوسلم قائما في المسجد ، فقمت قريبا منه وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ، فقلت في نفسي : والله إن هذا للعجز وإني امرؤ ثبت ما تخفى عليّ الأمور حسنها وقبيحها ، والله لأتسمعن منه فإن كان أمره رشدا أخذت منه وإلا اجتنبته ، فنزعت الكرسفة ، فلم أسمع قط كلاما أحسن من كلام يتكلم به فقلت : يا سبحان الله ما
__________________
(١) السيرة النبوية ، لابن هشام ، ٢ / ١٨٩ ـ ١٩٠.