المبحث الثاني
الجبال تحافظ على توازن الأرض
قال تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧)) (١).
وقال تعالى : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) (٢).
وقال تعالى : (وَالْجِبالَ أَرْساها) (٣).
تسجّل هذه الآيات قاعدة جيولوجية في القرآن الكريم ، وهذه القاعدة هي : وتديّة الجبال ، فالحق سبحانه وتعالى في معرض الامتنان على عباده ، وفي سياق الرحمة التي غمرهم بها يذكّرهم بأنه هو الذي جعل الجبال أوتادا ، ووزعها بدقة وحكمة فائقة ، مما يساعد على توازن الأرض ، بحيث لا تميد ولا تضطرب ، فكما أن الأوتاد تثبت الخيمة وتعمل على استقرارها ، فكذلك الجبال جعلها الله للأرض كالأوتاد للخيمة.
يقول الإمام القرطبي رحمهالله : ((أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) أي لئلا تميد عند الكوفيين ، وكراهية أن تميد على قول البصريين ، والميد : الاضطراب يمينا وشمالا ، ماد الشيء يميد ميدا إذا تحرك ، ومادت الأغصان تمايلت وماد الرجل تبختر ، قال وهب بن منبه : لما خلق الله الأرض فجعلت تميد وتمور ، فقالت الملائكة : إن هذه غير مقرّة أحدا على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال ، ولم تدر الملائكة مما خلقت الجبال) (٤).
وفي «روح المعاني» : ((وَالْجِبالَ أَوْتاداً) أي كالأوتاد ، ففيه تشبيه بليغ أيضا ، والمراد أرسينا الأرض بالجبال كما يرسي البيت بالأوتاد) (٥).
__________________
(١) سورة النبأ ، الآيتان ٦ ، ٧.
(٢) سورة الأنبياء ، الآية : ٣١.
(٣) سورة النازعات ، الآية : ٣٢.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ٥ / ٦٠.
(٥) روح المعاني ، للآلوسي ، ٢٩ / ١٤ ، وانظر : التسهيل لعلوم التنزيل ، محمد بن أحمد الغرناطي ، بيروت ، دار الأرقم ، د. ت ، ٢ / ٤٤٤.