المبحث الثالث
أوجه إعجاز القرآن
اتضح من خلال المباحث السابقة ، أن القرآن الكريم معجزة الدهر ، وأن العرب قد خضعوا لسلطانه ، وأقروا بإعجازه ، واعترفوا أنهم قاصرون عن مطاولته ، وأنهم عاجزون عن الإتيان بأقصر سورة من مثله ، ثم إن هذا الإعجاز نابع من ذاته ، وليس بسبب خارجي عنه ... وإذا كان شأن إعجاز القرآن هذا ، فلما ذا نجد أن العلماء اختلفوا قديما وحديثا في تحديد وجوه إعجاز القرآن والجهات التي منها كان الإعجاز؟.
القرآن معجز ، نعم ، ولا خلاف في ذلك أبدا ، لما دلت عليه البراهين الواضحة ، والدلائل الساطعة ، التي سيقت لإشباع الحديث عن إعجاز القرآن ، ولكن لسائل أن يتساءل فيقول : من أيّ جهة يمكن لنا أن نقف على إعجاز القرآن؟.
هل من جهة أسلوبه ودقة عبارته وكلامه؟
ولما ذا؟ وكتاب الله لم يندّ على قواعد اللغة العربية ، ولا على تركيب عبارات وجمل وأساليب الكلام العربي الذي استخدموه فيما بينهم ، وأقروه على أنه لغة الخطاب المستعملة فيما بينهم؟.
أم أن الإعجاز جاء من جهة ألفاظه؟
ولما ذا؟ والقرآن كانت صياغته من نفس الألفاظ التي يستخدمها العرب في صياغة خطبهم وأشعارهم ومدائحهم وقصائدهم ، وأفانين الكلام الجذّاب لديهم؟.
أم أن الإعجاز جاء من جهة المعاني التي تضمنها القرآن الكريم؟
ولما ذا؟ وهل كانت المعاني التي ارتكزت عليها آيات القرآن غريبة على العرب ...؟ عند ما يتحدث القرآن عمّا سلف من قصص الأمم الغابرة ، وما جرى لتلك الشعوب البائدة ، فهل يصعب على العربي فهم القصة ومغزاها ومحتواها؟ وعند ما