سامعيه في كل جيل وقبيل فإذا هو واضح فيما سبق له من دلالة الإنسان وهدايته إلى الله ، ثم إذا هو مجمل التفاصيل يختلف الخلق في معرفة تفاريعه ودقائقه باختلاف ما لديهم من مواهب ومسائل وعلوم وفنون ...) (١).
ثم يعقب قائلا : (ولا أحب أن نتوسع في هذا ، فبين أيدينا أمثلة كثيرة ومؤلفات جمة تموج وتضطرب باستنباط علوم الكون من القرآن أو بتفسير القرآن وشرحه بعلوم الكون وأحداثها ، فيما أعلم كتاب تحت الطبع الآن ألفه شاب فاضل مثقف وسماه بين القرآن والعلم وضمنه شتيتا من الأبحاث المختلفة في الاجتماع وعلم النفس وعلم الوارثة والزراعة والتغذية وفيما وراء الطبيعة ، مما لا يتسع المقام لذكره ، ومما لا نرى حاجة إليه خصوصا بعد أن تبين لنا أن العلوم الكونية خاضعة لطبيعة الجزر والمد ، وأن أبحاثا كثيرة منها لا تزال قلقة حائرة بين إثبات ونفي ، فما قاله علماء الهيئة بالأمس ينقضه علماء الهيئة اليوم ، وما قرره علماء الطبيعة في الماضي يقرر غيره علماء الطبيعة في الحاضر ، وما أثبته المؤرخون قديما ينفيه المؤرخون حديثا ، وما أنكره الماديون وأسرفوا في إنكاره باسم العلم أصبحوا يثبتونه ويسرفون في إثباته باسم العلم أيضا ، إلى غير ذلك مما زعزع ثقتنا بما يسمونه العلم ، ومما جعلنا لا نطمئن إلى كل ما قرروه باسم هذا العلم ... ثم هل يليق بعد ذلك كله أن نحاكم القرآن إلى هذه العلوم المادية القلقة الحائرة ، بينما القرآن هو تلك الحقائق الإلهية العلوية القارة الثابتة المتنزلة من أفق الحق الأعلى الذي يعلم السر وأخفى ، ألا إن القرآن لا يفر من وجه العلم ، ولكنه يهفو إلى العلم ويدعو إليه ويقيم بناءه عليه ، فأثبتوا العلم أولا ووفروا له الثقة وحققوه ثم اطلبوه في القرآن ، فإنكم لا شك يومئذ واجدوه ، وليس من الحكمة ولا الإنصاف في شيء أن نحاكم المعارف العليا إلى المعارف الدنيا ، ولا أن نحبس القرآن في هذا القفص الضيق الذي انحبست فيه طائفة مخدوعة من البشر ، بل الواجب أن نتحرّر من أغلال هذه المادة المظلمة ، وأن نطير في سماوات القرآن حيث نستشرف المعارف النورانية المطلقة ، والحقائق الإلهية المشرقة ...) (٢).
٤ ـ محمد رشيد رضا :
يعتبر محمد رشيد رضا الناطق العام ، والمدافع الأول عن أفكار شيخه محمد عبده ،
__________________
(١) مناهل العرفان في علوم القرآن ، للزرقاني ، ٢ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
(٢) مناهل العرفان في علوم القرآن ، عبد العظيم الزرقاني ، ٢ / ٢٥٩.