بحضرته من يملي أو يكتب شيئا ونحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز ، وقد حكى الله عن بعض مردتهم وهو الوليد بن المغيرة المخزومي ، أنه لما طال فكره في القرآن ، وكثر ضجره منه ، وضرب له الأخماس من رأيه في الأسداس ، فلم يقدر على أكثر من قوله : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (١) عنادا وجهلا به وذهابا عن الحجة وانقطاعا دونها) (٢).
ثالثا ـ النضر بن الحارث :
قال ابن هشام : (ويقال : النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف ، قال ابن اسحاق : فقال : يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به ، قلتم ساحر؟ لا والله ما هو بساحر ، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ، وقلتم كاهن؟ لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم ، وقلتم شاعر؟ لا والله ما هو بشاعر لقد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه ، وقلتم مجنون؟ لا والله ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه ، يا معشر قريش : فانظروا في شأنكم ، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
أذى النضر للرسول صلىاللهعليهوسلم :
وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش وممن كان يؤذي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وينصب له العداوة ، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم ... فكان إذا جلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم مجلسا فذكّر فيه بالله وحذّر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله ، خلفه في مجلسه إذا قام ، ثم قال : أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه فهلم إليّ ، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم ... ثم يقول : بما ذا محمد أحسن حديثا مني) (٣).
هذا هو إقرار واعتراف كبار بلغاء قريش وفصحائها ، وغير هؤلاء كثير ممن خفقت
__________________
(١) سورة المدثر ، الآية : ٢٥.
(٢) البرهان في علوم القرآن ، محمد بن عبد الله الزركشي ، بيروت ، دار المعرفة ، تحقيق ، محمد إبراهيم ، ١٣٩١ ه ، ٢ / ١٠١.
(٣) السيرة النبوية ، لابن هشام ، ٢ / ١٣٨.