المبحث الأول
ظلمات البحار وتنوع الأمواج
قال تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (١).
تشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقة علمية رائعة في علم البحار ، فهي تحدثنا عن بعض مزايا البحر العجيب ، وتكشف لنا طرفا من مشاهده المدهشة ، ألا وهو وجود أمواج داخلية للبحر ، وظلمات متعددة فيه ، وقبل سوق الحقائق العلمية التي تفسر هذه الآية وتؤكد حقائقها الثابتة ، نستعرض بعض أقوال أهل العلم من المفسرين لنقف عند رؤيتهم العلمية لهذه الآية ، ولنرى ذلك من خلال كلامهم عن معاني المصطلحات القرآنية من الناحية اللغوية.
ففي تفسير «فتح البيان» : (في بحر لجي ، معظم الماء ، والجمع لجج ، وهو الذي لا يدرك عمقه ، ثم وصف سبحانه وتعالى هذا البحر بصفة أخرى فقال : (يَغْشاهُ) أي يعلو هذا البحر (مَوْجٌ) فيستره ويغطيه بالكلية ، والموج : ما ارتفع من الماء ، ثم وصف هذا الموج بقوله : (مِنْ فَوْقِهِ) أي من فوق هذا الموج (مَوْجٌ) ثان متراكم فيه إشارة إلى كثرة الأمواج وتراكم بعضها فوق بعض ، ثم وصف الموج الثاني فقال :
(مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) فيجتمع حينئذ جوف البحر وأمواجه والسحاب المرتفع فوقه) (٢).
ويقول القرطبي رحمهالله : ((فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) قيل : هو منسوب اللجة ، وهو الذي لا يدرك قعره واللجة معظم الماء ، والجمع لجج ، واللج البحر إذا تلاطمت أمواجه ... (يَغْشاهُ مَوْجٌ) أي يعلو ذلك البحر اللجي : (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) أي من فوق الموج موج ، ومن فوق هذا الموج الثاني ، سحاب (سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) والمراد
__________________
(١) سورة النور ، الآية : ٤٠.
(٢) فتح البيان في مقاصد القرآن ، للقنوجي ، ٩ / ٢٣٨.