عنوان : الكلام في إعجاز القرآن ، حيث يذكر عدة أقوال ، والعديد من المسائل في إعجاز القرآن ويناقشها مع انتقاده لأكثرها ، وهو يرى (أن القرآن في أعلى درجات البلاغة ، حيث إن الله قد بلغ به ما أراد ، فهو في هذا المعنى في الغاية التي لا شيء أبلغ منها ، وليس هو في أعلى درجات البلاغة في كلام المخلوقين ، لأنه ليس من نوع كلامهم ، لا من أعلاه ولا من أدناه ولا من متوسّطه ... ثمّ يعلن الصرفة فيقول : فصحّ أنه ليس من نوع بلاغة الناس أصلا ، وأن الله تعالى منع الخلق من مثله ، وكساه الإعجاز ، وسلبه جميع كلام الخلق ... إذ لم يقل أحد من أهل الإسلام أن كلام غير الله تعالى معجز ، لكن لما قاله الله تعالى وجعله كلاما له ، أصاره معجزا ، ومنع من مماثلته ، وهذا برهان كان لا يحتاج إلى غيره) (١).
(وعلى هذا فإن ابن حزم لا يرى القرآن معجزا ببلاغته ، وأن في استطاعة الناس أن يأتوا بمثل بلاغته ، مع اعترافه بأنه في أعلى طبقات البلاغة ، ونراه من جهة ثانية يخالف طريقة المتكلمين ، فهم يجعلون إعجاز القرآن وسيلة إلى إثبات أنه منزل من عند الله وإثبات النبوة ، وهو يعكس الأمر فيجعله معجزا لأنه كلام الله) (٢).
وللشيخ محمد أبو زهرة رحمة الله تعقيب نفيس على كلام ابن حزم الذي أوردناه آنفا يقول : (إن ذلك الكلام يبدو بادي الرأي غريبا من ابن حزم ، ولكن المتأمل فيه يجده سائرا على مذهبه في نفي الرأي ، والحكم بظاهر القول من غير تعليل ، فالاتجاه إلى تعليل الإعجاز بأن السبب فيه بلاغته التي علت عن طاقة العرب ، والتي جعلتهم يخرون صاغرين بين يديه من غير مراء ولا جدال يعد تعليلا وهو من باب الرأي الذي ينفيه والتعليل الذي يجافيه ، فلا بد أن يبحث عن سبب غير ما ذكر الله تعالى) (٣).
٤ ـ ابن سنان الخفاجي (٤) :
ومن الذين قالوا بالصرفة الخفاجي في كتابه «سرّ الفصاحة» فهو يرى أن أسلوب
__________________
(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل ، لابن حزم ، ٣ / ٢٩.
(٢) فكرة إعجاز القرآن ، نعيم الحمصي ، ص ٨٤.
(٣) المعجزة الكبرى ، محمد أبو زهرة ، ص ٨٢ ـ ٨٣.
(٤) ٤٢٣ ـ ٤٦٦ ه ، ١٠٣٢ ـ ١٠٧٣ م ، عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي ، شاعر ، أخذ الأدب عن أبي العلاء المعري وغيره وكانت له ولاية بقلعة «عزاز» من أعمال حلب ، وعصي بها ، فاحتيل عليه فسمّ فمات ، له ديوان شعر ، وسر الفصاحة. انظر : الأعلام للزركلي ، ٤ / ١٢٢ ، بتصرف.