واتساع الملك رغم ما أودعه في الكون الفسيح من ألوان المادة وأجرام السماء ، أي أن كلمة «موسعون» إنما تشير إلى اليسر والغنى ... وبتقدم آلات الرصد عرفت المجرات ، وأقرب المجرات إلينا مجرة «المرأة المسلسلة» وهي تبعد عن مجرتنا بنحو ٧٠٠ ألف سنة ضوئية (١) ، وما زالت أبعاد الكون تتسع حتى عرف الناس اليوم أن هناك نجوما هي في الواقع مجرات ، تبدو لفرط بعدها عنا على هيئة نقط مضيئة هي أشباه النجوم وتبعد عنا بنحو ١٢ ألف مليون سنة ضوئية!.
إننا مرة أخرى نسلم بحقيقة المعنى الأول لكلمة «موسعون» كما أننا نسلم بصحة التفسير الحديث الذي سقناه ، حيث إنه فعلا اتسعت أبعاد الكون المرئي أمام البشر اتساعا يكاد لا يصدقه العقل بتقدم آلات الرصد والتتبع ، على أن هناك معنى آخر يشير إلى حقيقة أن الكون يتمدد ، أي تزداد أبعاده بمرور الزمن وهذه إحدى نتائج حسابات النسبية ، إلا أن الآية الكريمة إنما تضم هذه التفسيرات والحقائق العلمية السليمة كلها ، ورأينا إذا كيف ساير ركب العلم ما أثاره القرآن الكريم من قضايا العلم العامة ...) (٢).
ثالثا ـ الشيخ أحمد مصطفى المراغي :
يعلن الشيخ المراغي في مقدمة تفسيره عن المنهج الذي سلكه في تفسير القرآن الكريم ، ويدقق على أهمية تلاقح المعرفة ، بحيث يستند المفسر لكتاب الله في قضايا العلم على المختصين في العلوم الكونية والطبيعية ، ليكون لكلامه وزن وثقل ومصداقية ، وأن يواكب العلوم العصرية ومستجداتها ولا يركن إلى ما قيل في قضايا العلم قبل قرون ...
يقول المراغي في مقدمة تفسيره : (وقد سلكنا في الوصول إلى فهم الآيات التي أشارت إلى بعض نظريات في مختلف الفنون استطلاع آراء العارفين بها ، فاستطلعنا آراء الطبيب النطاسي ، والفلكي العارف ، والمؤرخ الثبت ، والحكيم البصير ليدلي كل برأيه فيما تمهر فيه ، لنعلم ما أثبته العلم وأنتجه الفكر ، فيكون كلامنا معتزا بكرامة المعرفة التي تشرف بتفهم كتاب الله ، فرجل الدين حامل لوائها عليه أن يسأل العلم دائما يستبصر بما ثبت لديه ، ويساير عصره ما وجد إلى ذلك سبيلا ، فإن قعدت به همته
__________________
(١) السنة الضوئية : (light year) المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة. موجز في تاريخ الزمان ، ستيفن هوكنغ ، ص : ٢٠٨.
(٢) انظر : الإسلام وقوانين الوجود ، محمد جمال الفندي ، ص : ٥٨ ـ ٥٩.