المبحث الثالث
تعدد الشموس والأقمار
قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١).
تشير هذه الآية الكريمة من خلال قوله تعالى : (خَلَقَهُنَ) إلى تعدد الشموس والأقمار في هذا الكون ، فالحق سبحانه وتعالى أتى بضمير الجمع المؤنث بدلا من ضمير المثنى ، وكان مساق الآية يقتضي حسب قواعد اللغة أن يقول : (خلقهما) إشارة إلى شمسنا وقمرنا ، لكنه عدل عن المثنى إلى الجمع ليسطّر معجزة قرآنية كونية هنا ، وهي أن الله سبحانه وتعالى خلق شموسا وأقمارا كثيرة وهذا ما أثبته العلم وقرره الحق.
وبإلقاء نظرة دقيقة في تفاسير العلماء رحمهمالله تعالى ، يتبين لنا إدراكهم لبعد هذه الإشارة القرآنية المعجزة.
يعلق الإمام الطبري على الآية فيقول : (يقول تعالى ذكره : ومن حجج الله تعالى على خلقه ودلالته على وحدانيته ، وعظيم سلطانه ، اختلاف الليل والنهار ، ومعاقبة كلّ واحد منهما صاحبه والشمس والقمر ، لا الشمس تدرك القمر ولا اللّيل سابق النّهار وكلّ في فلك يسبحون ، لا تسجدوا أيها الناس للشمس ولا للقمر ، فإنهما وإن جريا في الفلك بمنافعكم ، فإنما يجريان به لكم بإجراء الله إياهما لكم طائعين له في جريهما ومسيرهما ، لا بأنهما يقدران بأنفسهما على سير وجري دون إجراء الله إياهما وتسييرهما ، أو يستطيعان لكم نفعا أو ضرّا وإنما الله مسخرهما لكم لمنافعكم ومصالحكم ، فله فاسجدوا ، وإياه فاعبدوا دونها ، فإنه إن شاء طمس ضوءهما ، فترككم حيارى في ظلمة لا تهتدون سبيلا ، ولا تبصرون شيئا ... وقيل : واسجدوا لله الّذي
__________________
(١) سورة فصلت ، الآية : ٣٧.