ولم يبق لديكم بعد شائبة شبهة في صدق هذا الرسول ، وحقيّة القرآن ، وبطلان ما أنتم عليه من شرك ، فهل تغادرون المكابرة والعناد وتدخلون الإسلام دين الله أفواجا) (١).
المرحلة الثالثة :
وفي هذه المرحلة وسّع لهم الحق عزوجل ، فتحداهم بسورة واحدة من القرآن الكريم حتى ولو كانت من أقصر سوره ، فقال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢).
وللشوكاني رحمة الله كلام نفيس حول هذه الآية نثبته هنا ، يقول : (... والتقدير ، أيقولون افتراه والاستفهام للتقريع والتوبيخ ، ثم أمره الله سبحانه وتعالى أن يتحداهم حتى يظهر عجزهم ، ويتبين ضعفهم ، فقال : قل : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) أي إن كان الأمر كما تزعمون من أن محمدا افتراه فأتوا أنتم على جهة الافتراء بسورة مثله في البلاغة ، وجودة الصناعة ، فأنتم مثله في معرفة لغة العرب وفصاحة الألسن ، وبلاغة الكلام (وَادْعُوا) بمظاهريكم ومعاونيكم (مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) دعاءه والاستعانة به من قبائل العرب ، ومن آلهتكم التي تجعلونها شركاء لله ، ثم يقول : وسبحان الله العظيم ما أقوى هذه الحجة ، وأوضحها وأظهرها للعقول ، فإنهم لما نسبوا الافتراء إلى واحد منهم في البشرية والعربية ، قال لهم : هذا الذي نسبتموه إليّ وأنا واحد منكم ليس عليكم إلا أن تأتوا وأنتم الجمع الجمّ بسورة مماثلة لسورة من سوره ، واستعينوا بمن شئتم من أهل هذه اللسان العربية على كثرتهم وتباين مساكنهم ، أو من غيرهم من بني آدم ، أو من الجن أو من الأصنام ، فإن فعلتم هذا بعد اللتيّا والتي فأنتم صادقون فيما نسبتموه إليّ وألصقتموه بي ...
فلم يأتوا عند سماع هذا الكلام المنصف ، والتنزل البالغ بكلمة ولا نطقوا ببنت شفة ، بل كاعوا عن الجواب ، وتشبثوا بأذيال العناد البارد ، والمكابرة المجردة عن الحجة) (٣).
ولكي يبرهن الحق تبارك وتعالى على صدق نبوة محمد بن عبد الله صلوات الله
__________________
(١) المعجزة الخالدة ، حسن ضياء الدين عتر ، بيروت ، دار ابن حزم ، الطبعة الثانية ، ١٤٠٩ / ١٩٨٩ ، ص : ١١٩.
(٢) سورة يونس ، الآية : ٣٨.
(٣) فتح القدير ، للشوكاني ٢ / ٦٤٥ ـ ٦٤٦.