المبحث الرابع
حركة الجبال وتعدّد صخورها
قال تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) (١).
وقال سبحانه : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)) (٢).
تشير الآية الكريمة الأولى إلى أن للجبال حركة سريعة ، وهي ليست ثابتة جامدة كما يتخيّل أو يظن ، وهذه حقيقة قرآنية سجلها كتاب الله تعالى ، ثم كشف عنها علماء الجيولوجيا بعد قرون ، كما تشير الآية الثانية إلى تعدد صخور الجبال وتعدد ألوانها كذلك ، وفي الآية إشارة إلى إمكانية تغير ألوان الصخور مع الزمن ، ولنبدأ في بحث هاتين الآيتين من كتب التفاسير.
يقول ابن كثير : ((وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) أي تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه ، وهي تمر مر السحاب أي تزول عن أماكنها) (٣).
وفي «تفسير بحر العلوم» : (أي تحسبها واقفة مكانها ويقال : مستقرة (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) حتى تقع على الأرض فتستوي ، أي في أعين الناظرين كأنها واقفة) (٤).
وفي «إرشاد العقل السليم» : ((وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) حال من ضمير الجبال في تحسبها ، أو في جامدة ، أي تراها رأي العين ساكنة ، والحال أنّها تمرّ مرّ السّحاب التي
__________________
(١) سورة النمل ، الآية : ٨٨.
(٢) سورة فاطر ، الآيتان ، ٢٧ ، ٢٨.
(٣) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٦ / ١٩٤.
(٤) بحر العلوم ، للسمرقندي ، ٢ / ٦١٨.