المبحث الأول
كروية الأرض
يقول الله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (١).
ويقول جل جلاله : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢).
ويقول سبحانه : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣).
إن من نافلة القول أن يشار هاهنا ، إلى أن القرآن الكريم بلغ من الإعجاز في شتى وجوهه درجة لا يمكن أن يصل إليها طوق أحد من الخلق أبدا ، وتتجلى هذه الحقيقة في شتّى أصعدة الحياة وكذلك هنا ، فلو أن القرآن الكريم إبان نزوله صرح تصريحا قاطعا بكروية الأرض فقال : (والأرض كوّرناها) لأحدث ذلك نزاعا وشقاقا شديدين في المجتمع المسلم الوليد آنذاك ، لأن مدارك الناس وقدراتهم العقلية لا يمكن أن تستوعب مسألة كهذه ، لأنهم ينظرون فيرون الأرض أمامهم ممدودة مبسوطة ساكنة لا تتحرك ، فكيف لهم أن يذعنوا لهذا الخبر ويعتقدوا بكروية الأرض ، بل لربما أدى ذلك لارتداد بعضهم عن الهدى والإيمان ، فلذلك كان من الحكمة الربانية ، والإعجاز البياني المتألق أن يشير الحق إلى كروية الأرض إشارة ، ويضمّن النصوص القرآنية قضية تكوير الأرض من ناحية المعنى وليس صراحة وقطعا ، فإذا ما تقدم العلم واتضحت غوامض الكون ، وتبين للناس كروية الأرض من خلال الأقمار الصناعية وغيرها ، عندها نجد في
__________________
(١) سورة الزمر ، الآية : ٥.
(٢) سورة الرعد ، الآية : ٣.
(٣) سورة النازعات ، الآية : ٣٠.