تمهيد
الماء آية من آيات الله البديعة ، وشارة ناطقة على عظمة الخالق ، في بث روح الحياة في الكائنات كلها ، والحياة هي سر من أسرار الله في الكون ، وبين الماء والحياة تلازم وثيق ، فلا حياة بدون ماء ولقد جعل العليم الخبير جل جلاله الماء سببا لاستمرار الحياة وبقائها ، فمقوّمات الحياة وعناصر تكوينها المختلفة ، لا يكتب لها البقاء ولا يمكن أن تستنشق روح الحياة إلا بالماء ، فمن الماء الدافق خلق الإنسان وتكوّن ، ومن الماء مع التراب تزهو دنيا النباتات ، وتتكاثر بقية المخلوقات وتسعد بنعمة الماء الزلال ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (١).
ولقد جعل الحق عزوجل للماء دورة متكاملة لاستمرار الحياة ، بدءا من حرارة الشمس فبخار الماء فتكوين السحب ثم إمطار الماء من السماء ، لتتفجر البراعم الخضراء الحية من أكمامها ، وترتوي الأنعام ، وينعم الإنسان ، وتزهو الدنيا ، قال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢).
ولقد ورد في القرآن الكريم الحديث عن الماء العذب والماء الأجاج المالح ، وأخذ الحديث عن البحار شوطا ومساحة ليست بالقليلة في كتاب الله تعالى ، وذلك للأهمية الآنفة ، ولسوف يتناول في هذا الفصل قضايا بحرية عرضها الحق عرضا غاية في البيان الإعجاز ، من ذلك الحديث عن مرج البحار والتقائها دون امتزاج أو بغي ، وما فيها من دلالات علمية وقرآنية ، وكذلك الحديث عن ظلمات البحار المتنوعة ، وما حوت من
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٣٠.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٦٤.