وسيقتصر الحديث على رأي اثنين من العلماء في وجوه الإعجاز ، ثم يبين الراجح من مذاهبهم مع تعقيب ونقد ومناقشة لكل مذهب على حدة ، ثم أقرر وأعدد تعدادا ما قد ألهمني الله إياه في تحديد أوجه إعجاز القرآن الكريم.
أولا ـ وجوه إعجاز القرآن كما حددها الإمام الباقلاني (١) :
ذهب الإمام الباقلاني في تحديده لأوجه إعجاز القرآن إلى ثلاثة أوجه وهي :
(أ ـ يتضمن الإخبار عن الغيوب ، وذلك مما لا يقدر عليه البشر ، ولا سبيل إليه ، ثم أنه قد أدرج تحت هذا البند نوعين من إعجاز القرآن وهما : غيب المستقبل ، والوفاء بالوعد ، وساق طائفة من الأمثلة التي تدل على ما ذهب إليه.
ب ـ ذكر في هذا الوجه الثاني ، ما يدل على أن القرآن أخبر عن غيوب ماضية ، علما أن الرسول صلىاللهعليهوسلم كان أميا لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ.
ج ـ في الوجه الثالث تحدث عن القرآن من حيث أنه بديع النظم ، عجيب التأليف ، متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه ، ثم إنه قد فصّل الوجه الثالث في عشرة نقاط نذكرها هنا كما أوردها هو رحمهالله تعالى.
يقول : منها ما يرجع إلى الجملة وذلك أن نظم القرآن على تصرف وجوهه وتباين مذاهبه خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم ، ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم ، وله أسلوب يختص به ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد ، وذلك أن الطرق التي يتقيد بها الكلام البديع المنظوم تنقسم إلى أعاريض الشعر على اختلاف أنواعه ، ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير المقفّى ، ثم إلى أصناف الكلام المعدل المسجع ، ثم إلى معدل موزون غير مسجع ، ثم إلى ما يرسل إرسالا فتطلب فيه الإصابة والإفادة وإفهام المعاني المعترضة على وجه بديع وترتيب لطيف ، وإن لم يكن معتدلا في وزنه وذلك شبيه بجملة الكلام الذي لا يتعمل فيه ، ولا يتصنع له ، وقد علمنا أن القرآن خارج عن هذه الوجوه ، ومباين لهذه الطرق ، ويبقى علينا أن نبين أنه ليس من
__________________
(١) ت ٤٠٣ ه ، القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ، ولد في البصرة ، وتوفي في بغداد ، من كبار العلماء في علوم القرآن وصاحب كتاب «إعجاز القرآن» الذي يعتبر من أبرز وأهم المراجع في الإعجاز. طبقات المفسرين ، للأدنةوي ، ١ / ٤٣٩ ، وانظر مقدمة الشيخ محمد سكر لكتاب : إعجاز القرآن ، للباقلاني ، ص : ٧ ، بتصرف.