تمهيد
للقمر مكانة سامية في قلوب الناس منذ أحقاب سحيقة مضت من الزمن ، وذلك لاعتباره أقرب الأجرام السماوية إلى الأرض ، ولما ينطوي على سرّ الروعة والبهاء عند ما يرسل أشعته الفضية إلى الأرض ، فتنفلق ظلمات الليل بضيائه المنير الذي يضفي على الأرض رونقا متألقا من النور الهادئ الأخّاذ ، ولذلكم فإن طائفة كبيرة من البشر قديما اعتبرت القمر إلها يلجأ إليه عند نزول الكوارث والأزمات ، وبذلك صبئوا فكانوا من الوثنين الذين أتى القرآن ليحررهم من معتقداتهم التي ارتبطت بالأجرام وبالشمس والقمر ، حيث يقول : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١).
ولقد اضمحلت تلك الوثنيات التي يترنّم بها الشعراء ، ويشبه بها المحب حبيبه بوجه القمر وجماله ، وذابت عند ما وطئ رواد الفضاء القمر بأقدامهم وسفنهم الفضائية ، وصوّروه لنا وإذا به صخور جرداء ، وفوهات مخيفة ، وتضاريس داكنة سوداء ، وبهذا يكون قد خف سحر القمر وجماله البرّاق ، وسطعت معالم التقنية البشرية الحديثة ، لتسطّر التحوّل التاريخي في دنيا البشر ، وتمكنها من النزول على سطح القمر.
وسوف يتناول في هذا الفصل الحديث عن السبق القرآني يوم أثبت أن القمر جسم بارد يكتسب نوره من الشمس ، وليس متوهجا مثلها ، كما أن القرآن قرر أن القمر كان مشتعلا في فترة من الفترات ثم انطفأ ، وسنتحدث عن معجزة عظيمة خلدها القرآن الكريم في صفحاته ، ألا وهي معجزة انشقاق القمر ، التي وقعت للنبي صلىاللهعليهوسلم ويأتي العلم اليوم ليؤكد انشقاق القمر ، ونتحدث عن قرار القرآن بإمكانية غزو الفضاء ، والصعود في طبقاته ، كما سنتطرق للحديث عن الإعجاز القرآني في السنة الشمسية والقمرية ، ونذيّلها بالحديث عن منازل القمر ، ويختم الفصل بالحديث عن نهاية القمر وعن الصورة الدقيقة التي وضعها القرآن الكريم لنهايته ، والتي أكدها العلماء بشكل دقيق.
__________________
(١) سورة فصلت ، الآية : ٣٧.