يلقوا ظلالا من الشكوك على افترائهم لعلها تكون مستساغة عند الجاهلين بواقع الأمور قالوا : إن الذي يعلمه ليس من قريش ، وإنما هو رجل لديه علم لم تعلمه قريش ، ولكن أنّى لأعجمي أن يأتي ببيان معجز للعرب الفصحاء) (١)؟!؟
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (٢).
ولم يكتف القوم بهذا الهراء البليد ، بل إنهم راحوا يروجون على الملأ ، وبشتى وسائل إعلامهم في ذلك الزمان ، أن الذي يجري على لسان محمد بن عبد الله ما هو إلا شعر نسج خيوطه ورتّب قوافيه في هدأة من الليل المحندس ، أو على أقل تقدير هو سحر استقاه من شعوذة الدجالين والكهنة.
وتتنزل آيات القرآن الكريم ، لتمزّق أستار هذا الوهم ، وتبدد أوصال هذه السذاجة وتصرخ في وجوه المبطلين قائلة : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٥٢) (٣).
ولم يكتف الحق بذلك لكنه أعلن التحدي بالقرآن الكريم إعلان المظهر لعجزهم ، المسفّه لعقولهم وهي المرحلة الأولى في التحدي.
المرحلة الأولى :
كان التحدي في هذه المرحلة بكل ما تنزل من السماء من القرآن العظيم ، قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٤).
(أي قل لهم متحديا : والله لئن اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا
__________________
(١) مباحث في إعجاز القرآن ، مصطفى مسلم ، ص ٣٢ ، وانظر : بحوث منهجية في علوم القرآن ، موسى إبراهيم ، عمّان ، دار عمار الطبعة الثانية ، ١٤١٦ ه / ١٩٩٦ ، ص : ١٢٤.
(٢) سورة النحل ، الآية : ١٠٣.
(٣) سورة الحاقة ، الآيات ٤١ ـ ٥٢.
(٤) سورة الإسراء ، الآية : ٨٨.